
جعل المولى عز وجل الصلوات الخمس مؤقتة بأوقات متفرقة في اليوم والليلة؛ ليكون المصلي على صلة بربه طيلة اليوم.
والمسلم يبتدأ يومه بصلاة الفجر، ووقتها من طلوع الفجر الصادق إلى شروق الشمس، قال صلى الله عليه وسلم: «وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ». صحيح مسلم (612).
والمولى عز وجل لم يجعل بداية صلاة المرء في يومه من بعد طلوع الشمس وإنما من قبل شروق الشمس مع بداية الفجر الصادق، وذلك إعانة للمسلم على اغتنام هذا الوقت المبارك قبل طلوع الشمس، وإدراك البركة في التبكير لطلب الرزق، وتعويد النفس على النشاط، والتغلب على الكسل، حيث إن النفس لا تنشط للقيام حتى تتشبع بالنوم والراحة، أو ترتفع الشمس وتضطر الناس لذلك بحرارتها، فأُمر المسلم بالاستيقاظ للفجر ليكون أدعى لنشاطه وأبين في استجابته وطاعته لربه.
ومن معانيها الجميلة أيضًا أن يؤدي المسلم الصلاة شكرًا لربه سبحانه على آية النهار، حال استمتاعه بهذه النعمة في وقتها، وهو وقت انسلاخ الليل وغشيان النهار عليه، قبل أن يستتم ذلك بطلوع الشمس.
ومن المعاني الرائعة في توقيت صلاة الفجر أن ظهور الفجر بعد الظلام الدَّامس من آيات الله عز وجل التي يستحق عليها التعظيم والشكر، فإن هذا النور الساطع بعد الظلام الدامس لا أحد يستطيع أن يأتي به إلا الله، لقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} [القصص: 71].
كما أن صلاة الفجر تدرب المرء على حب النظام، في جميع شئونه، واحترام الوقت ولو كان في ذلك قطع راحته وملذاته.
وسواء صحت هذه الحكم كلها، أو لم يصح منها شيء: فالحكمة العظمى من ذلك كله: هي طاعة الله وطاعة رسوله، وتحقيق العبودية لرب العالمين.
قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
للاستزادة:
"الشرح الممتع" (2/143).