
لماذا تزداد أحوالنا سوءًا بالرغم من أن عدد المساجد بالآلاف، وعدد المصلين بالملايين؟!
تَكمُن الإجابة في أن هناك فارقًا شاسعًا بين أداء الصلاة وإقامتها، وقد كان القرآن الكريم دقيقًا جدًّا في الألفاظ المُستخدَمة في هذا السياق؛ حيث قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45]، وقال تعالى في أكثر من آية: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ}، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]، وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الحج:34، 35]، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1-11] والمتأمِّل في هذه الآيات سيجد أن الخشوع في الصلاة يؤدي إلى إقامتها على وجهها المطلوب، ومن ثَمَّ المحافظة والمداومة عليها، ومن ثَمَّ انعكاس ذلك كله على حياة المسلم بمختلف جوانبها؛ فيصلي بخشوع، ويكون بعيدًا عن اللغو والأمور التي لا فائدة منها، ويُخرِج الزكاة، ويَحفَظ نفسه من الوقوع في الشهوات المُحرَّمة، ويكون أمينًا مع الناس وفيًّا بوعده معهم.
ولذلك لم يستعمل القرآنُ الكريمُ لفظَ "صَلُّوا" أو "أدُّوا الصلاة"؛ وإنما جاءت كل استعمالاته في سياق "إقامة" الصلاة؛ إذ إن إقامة الصلاة تعني الجمع بين الخشوع في الصلاة وبين المحافظة عليها في أوقاتها، كما تستلزم التقوى والمحافظة على السلوك القويم فيما بين الصلوات الخمسة؛ والخشوع هو حضور القلب بين يَدَي الله تعالى، مستحضرًا قُربَه، فيسكن لذلك القلب وتطمئن النفس، وتسكن الحركات ويَقِلّ الالتفات، مُتأدبًا بين يَدَي ربك، مُستحضرًا جميع ما تقوله وتفعله في صلاتك من أولها إلى آخرها.
أمَّا أن تؤدِّي الصلاة وترتكب المعاصي والمنكرات والفواحش؛ فلا عبرة هنا بصلاتك، فقد أضعتَها مع أنك تُصلِّي شكليًّا ومظهريًّا وحركيًّا؛ فالتقوى هي الهدف، وكل العبادات وسائل لبلوغ التقوى والخوف من الله، والذي يقيم الصلاة هو الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فيكون متقيًا لله تعالى.
ويَجدُرُ التنبيه هنا إلى أن ارتكاب المعاصي والمنكرات والفواحش مع الصلاة لا ينبغي أن يكون سببًا لترك الصلاة جزئيًّا أو كليًّا؛ لأن هذا قد يكون مدخلًا من مداخل الشيطان، فيأتي للمسلم ويوسوس له قائلًا: "لا فائدة من صلاتك التي لا تنهاك على الفحشاء والمنكر، اترك الفواحش والمنكرات أولًا ثم صلِّ"؛ وهذا وسواس خبيث من الشيطان الرجيم ينبغي على المسلم ألَّا يلتفت إليه، وينبغي أن يعلم المسلم أن مُزاحَمة الحسنات للسيئات خير من ترك الحسنات جزئيًّا أو كليًّا، وأن الواجب على المسلم هو مجاهدة النفس والمحافظة على الطاعات وإقامتها على وجهها الصحيح حتى وإن كان مرتكبًا للمنكرات والفواحش.
شارك تلك الفائدة مع أحبابك؛ لعلها تكون سببًا في نجاة أحدهم