مدونة المصلي >> إيمانيات

لماذا نبذل الأسباب ما دُمْنَا متوكلين على الله؟

لماذا نبذل الأسباب ما دُمْنَا متوكلين على الله؟
2022‏/08‏/10
36٬429

إن المسلم يبذل الأسباب تقرُّبًا إلى الله تعالى وعملًا بكلامه؛ حيث قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} [المُلك:15]، وقال: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]؛ وكذلك عَمَلًا بسُنَّة النبي حيث قال للأعرابي الذي ترك ناقته طليقةً دون أن يُقيِّدها: «‌اعْقِلْهَا ‌وَتَوَكَّلْ» [صحيح الجامع (1068)]، وقال : «‌احْرِصْ ‌عَلَى ‌مَا ‌يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ» [رواه مسلم (2664)] فقوله: «احْرِصْ ‌عَلَى ‌مَا ‌يَنْفَعُكَ» أمْرٌ بالأخذ بالأسباب، وقوله: «وَلَا تَعْجَزْ» نهيٌ عن الكسل وهو أيضًا أخذٌ بالأسباب. وأيضًا أفعال سيِّد المُتوكِّلين كانت مُشتمِلةً على الأخذ بالأسباب؛ حيث كان يأخذ حذره -وتجلَّى ذلك في الهجرة النبوية-، وكان يحمل الزاد في أسفاره، وكان يرتدي الدِّرع في حروبه بل إنه في غزوة "أُحُد" تدرَّع بدِرعَين (أي: ارتدى دِرعًا فوق دِرع)، وكان يستعين بمَن يَدلُّه على الطريق، وكان يتَّقي الحَرَّ وكان ويتَّقي البرد، ولم يُنقِص ذلك من توكله شيئًا؛ فالأخذ بالأسباب جزءٌ من التوكل لا ينفصل عنه.

أيضًا الأخذ بالأسباب جزءٌ من قَدَر الله تعالى؛ حيث سأل رجلٌ النبيَّ قائلًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ‌أَرَأَيْتَ ‌رُقًى ‌نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا؛ هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فقَالَ : «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ». [حسَّنه الترمذي (2065)]، "وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا" أي: ما يحتمي به الناس عند الخوف.

ولذلك فإن مفهوم التوكل هو: صِدق الاعتماد على الله في حصول المَنفعة أو زوال المَضَرَّة، مع فِعل الأسباب المأذون فيها (أي: الأسباب المَشروعة المُباحة غير المُحرَّمة).

فالمسلم يجمع بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل على الله في آنٍ واحدٍ؛ لأن مَن كان غالب اعتماده على الأسباب فإن توكله ناقص، ومَن كان كل اعتماده على الأسباب فإنه مُشرِك -والعياذ بالله-، ومَن كان كل اعتماده على الله مع إلغاء الأخذ بالأسباب فإنه قد طَعَنَ في حكمة الله أو كمَن يختبر الله -تعالى الله عن ذلك-؛ إذ إن حكمة الله تقتضي أن لكل شيء سببًا؛ لأن الله حكيم يربط الأسباب بمُسبَّباتها (نتائجها)؛ فالواجب على المسلم -شرعًا وعقلًا- أن يجمع بين صِدق الاعتماد على الله وبين الأخذ بالأسباب، إذ كيف يتوكل على الله بمعصية الله (وهي ترك الأخذ بالأسباب)؟!

والجدير بالذِّكر هنا أن الله تعالى قد يقدِّر وقوع الأحداث بدون أسبابها؛ لإعلام الناس أن لا مشيئة فوق مشيئة الله؛ كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29]، لكن هذا لا يحدث إلا في ثلاث حالات فقط:

الأولى: وهي مع الأنبياء في أزمنة المعجزات؛ كالنار التي لم تُحرِق سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، أو كالسِّكِّين التي لم تذبح سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، وغيرهما الكثير من المعجزات أو ما شابهها.

الثانية: وهي أن يكون الإنسان عاجزًا عجزًا تامًّا عن الأخذ بالأسباب، وهنا يدخل في قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].

الثالثة: وهي أن تكون الأسباب مُنتفيةً (غير موجودة) من الأساس، كمَن تزوَّد لسَفَره لكنه ضلَّ الطريق ونَفِدَ زاده؛ فلا سبيل له سوى الدعاء، ولا أسباب كي يبذلها.

فالمسلم يبذل الأسباب مع اعتقاده الجازم بأن تلك الأسباب لا وَزْنَ لها أمام إرادة الله تعالى، وأن إرادة الله فوق كل إرادة وفوق كل سبب، وأن الله قادر على كل شيء، وأنه سبحانه هو مُسبِّب الأسباب نفسها، وأن أَمْرَه سبحانه بين الكاف والنون (كُنْ فيكون)، وأنه سبحانه إذا أراد وقوع شيء فإنه سيقع لا مَحالة وإن اجتمع أهل الأرض كلهم على منعه، والعكس بالعكس.

 

شارك تلك الفائدة مع أحبابك؛ فإن الدالَّ على الخير كفاعله

مقالات متعلقة

2022‏/08‏/09
42٬586

قواعد مهمة عند الدعاء

يظن كثير من الناس أن الدعاء مجرد كلمات وعبارات يردُّدها المسلم وهو يرفع يدَيه إلى السماء، والأمر ليس كذلك فحسب. انقر هنا لتتعرَّف على المزيد.

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2022 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة