
صيام يوم عاشوراء والأيام المباركة من المحرم
إن من أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه الصيام، وقد جعله الله تعالى من أركان الإسلام وفرضه على عباده في شهر رمضان المبارك. ومن فضل الله تعالى علينا أن جعل في السنة أيامًا مباركة يُستحب للمؤمن أن يصومها؛ لما في ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل، وفي هذه الفائدة، نقف مع أيام عظيمة من شهر الله المحرم، وعلى رأسها يوم عاشوراء، لنستخرج من معينها ما يرقّق القلوب ويجدد الإيمان، مع التذكير بأفضلية صيام هذه الأيام، والدعوة إلى اغتنامها.
الصيام في شهر الله المحرم.
شهر المحرّم من أفضل الأوقات للصيام بعد رمضان.
عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ. وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ.» [صحيح مسلم (1163)]
لماذا نصوم يوم عاشوراء؟
لأنه يوم نجّى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون، وكان النبي ﷺ يصومه، ويوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر محرم. فله فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، وصومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام، وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، وأمر ﷺ المسلمين بصيامه؛ وقد كان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية.
ما ثواب صيامه؟
يستحب صيام عاشوراء اقتداء بأنبياء الله، وطلبا لثواب الله.
ومما ورد في فضل صيامه قول النبي ﷺ كما في حديث قتادة «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يكفر السنة التي قبله".» [صحيح مسلم (1162)]
أخي، صيام يوم واحد يكفر ذنوب سنة ماضية! أي فضل أعظم من هذا؟
المراد هنا بالسيئات التي تُكَفَّر في هذا العمل: صغائر الذنوب، أما كبائر الذنوب فلا يكفرها إلَاّ التوبة النصوح، وهذا عام في جميع الأعمال الصالحة التي وردت أنَّها تكفر الذنوب؛ كصوم يوم عرفة، ويوم عاشوراء، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والحج المبرور، وغير ذلك مما أتت به النصوص، وهذا قول جمهور العلماء». [توضيح الأحكام البسام (2/ 603)]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.» [صحيح البخاري (3397)]
وفي هذا الحديث دليل على فضل صيام يوم عاشوراء، وأن المسلمين أحق به من اليهود؛ لأن الله تعالى نجى بني إسرائيل من فرعون في هذا اليوم، وهذه النعمة أعظم على المسلمين؛ لأنهم هم أتباع موسى عليه السلام.
مراتب صيام عاشوراء:
ورد عن النبي ﷺ أنه كان يصوم يوم عاشوراء وعزم على أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: «حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم». [صحيح مسلم (1134)]
قال العلماء: «يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا لأن النبي ﷺ صام العاشر ونوى صيام التاسع» [شرح النووي على مسلم (8/ 12)]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «يوم عاشوراء يوم فاضل يكفر سنة ماضية صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ورغب فيه، ثم لما قيل له قبيل وفاته: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه، وعزم على ذلك.
ولهذا استحب العلماء منهم الإمام أحمد أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وبذلك عللت الصحابة رضي الله عنهم.» [اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 284)]
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: «فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر، والله أعلم.» [فتح الباري لابن حجر (4/ 246 ط السلفية)]
وعليه، يُستحب هذه السنة – والموافق أن يكون عاشوراء يوم السبت – أن يُصام:
• الجمعة (9 محرم): الموافق 4 يوليو 2025م.
• السبت (10 محرم): يوم عاشوراء، الموافق 5 يوليو 2025م.
• الأحد (11 محرم): لمن أراد أن يصوم يومًا بعده.
وبذلك ننال المرتبة الأكمل في صيام عاشوراء.
صيام يوم الإثنين (12 محرم)
ومن السنة أيضًا صيام يوم الإثنين، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ». [صحيح مسلم (1162)]
وعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْغَازِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. [(صحيح) سنن النسائي (2360) وسنن الترمذي (745) ابن ماجه (1739)]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» [(صحيح) سنن الترمذي (747)]، فهو يوم شريف في كل أسبوع، وصيامه يجمع فضل يوم الإثنين وفضل أيام شهر الله المحرم.
صيام الأيام البيض من المحرم
الأيام البيض: 13-14-15 من كل شهر هجري، وصيامها سنة ثابتة عن النبي ﷺ:
وذلك لما ورد عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ» [(حسن) سنن الترمذي (761)]
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ» [صحيح مسلم (1162)]
والأيام البيض من شهر الله المحرم هذا العام توافق:
• الثلاثاء (13 محرم): الموافق 8 يوليو 2025م.
• الأربعاء (14 محرم): الموافق 9 يوليو 2025م.
• الخميس (15 محرم): الموافق 10 يوليو 2025م.
الحث على صيام هذه الأيام المباركة:
لذا ندعو جميع المسلمين إلى اغتنام صيام هذه الأيام المباركة؛ لما في ذلك من الفضل العظيم والثواب الجزيل
وصايا عملية لاغتنام هذه الأيام
1. تذكير الأهل والأبناء بفضل هذه الأيام، وتحفيزهم للمشاركة في الصيام.
2. نشر الفوائد والدروس الشرعية المرتبطة بصيام عاشوراء وفضل شهر الله المحرم.
3. تدوين تواريخ الأيام المباركة، واستشعار الأجر والثواب.
4. الاجتهاد في الطاعات الأخرى، كالدعاء وقراءة القرآن والصدقة، فهي أيام مباركة.
خاتمة مؤثرة: أيّها الصائم المبارك.
في زمن غفلة القلوب وكثرة الانشغال بالدنيا، تأتي هذه الأيام العظيمة كنفحة ربانية، فاحرص على اغتنامها، وتذكّر أن العمل الصالح فيها مضاعف الأجر، وصيام يوم واحد منها قد يغفر لك ذنوب سنة كاملة.
إن صيامك لهذه الأيام هو شهادة محبة لله وطاعة لرسوله ﷺ، وهو دليل على أنك ما زلت تحمل في قلبك بذور الخير والحرص على الآخرة.
انشر هذا الخير، وساهم في تذكير إخوانك، فالدال على الخير كفاعله، لعلّه يكون سببًا في مغفرة ذنوب سنة كاملة لك ولغيرك.
اللهم اجعلنا من المقبولين، وبلغنا عاشوراء، ووفقنا لصيامها خالصًا لوجهك الكريم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.