الثبات من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا ثبات له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له. قال عمر الفاروق خير عيش أدركناه بالصبر أي بالثبات. ولفظه «أفضل عيش أدركناه بالصبر ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا»). فمن ثبت وصبر فاز بالجنة، لا من عرف الحق ولم يثبت عليه، أو عرفه وظن أن مجرد حبه كاف في النجاة.
ولا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من حاجة أخيه أيام السلف؛ لفساد الزمان، وندرة الإخوان، وضعف المعين، وقلة الناصر. والأمة اليوم تحتاج إلى الثبات والصبر الصادق الذي يقوي السواعد، ويشد العزائم.
ومن تلك الأسباب:
🔸الإِيمان بالله والمداومة على العمل الصالح.
قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
قال قتادة: أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر.
وكان النبي ﷺ يداوم على الأعمال الصالحة، وَكَانَ أَحَبُّ العَمَلِ إِلَيْهِ أَدْوَمَهُ وَإِنْ قَلَّ. وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه.
حثنا النبي ﷺ على أن نثبت على الطاعة ولا ننقطع عنها: فالله يحب العمل الصالح الدائم:
عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنها كانت تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".». [صحيح مسلم (2818)]
وأحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه، وتصف عائشة عمل النبي ﷺ وتقول، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:: وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ»، وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ. [(صحيح) سنن أبي داود (1368)]
ولقد عدّ ﷺ الانقطاع عن الطاعة من الرذائل: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «قال لي رسول الله ﷺ: يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل.». [صحيح البخاري (1152)]
ولن يدخل الجنة إلا من ثبت حتى مات: «إنما الأعمال بالخواتيم» لذا قال ربنا: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾ [الحجر: 99]
🔸 الدعوة إلى الله عز وجل، وهي وظيفة الرسل وأتباعهم.
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
والعبد إذا حرص على هداية الخلق، فإن الله يجعل ثوابه من جنس عمله، فيزيده هدىً وثباتًا على الحقِّ، كما قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].
ومن أيسر سبل الدعوة إلى الله، مشاركة الخير مع أحبابك، فتدلهم إلى طريق الله، ويكتب لك بإذن الله مثل أجرهم، فمن دل على خير كان له مثل أجر فاعله.
ونكمل في فائدة قادمة إن شاء الله تعالى.
وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك.