
صلاة الكسوف من السنن العظيمة التي تذكّر العباد بآيات الله وقدرته، وفيها آداب وسنن شرعية دلّت عليها الأحاديث الصحيحة، تثمر الخشية والخضوع والإنابة.
- الخوف من الله عند الكسوف
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ». [صحيح البخاري (1048)]
فينبغي للمؤمن أن يخاف من نزول عقوبة عند كسوف الشمس أو القمر، وقد خاف النبي ﷺ عند كسوف الشمس، فخرج فزعًا يجرُّ رداءه.
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». [صحيح البخاري (1059)]
وقد كان من هديه ﷺ أنه يعتني بما يحدث من الظواهر الكونية التي يجريها الله تعالى ويحثّ الناس على الدعاء والحذر من نزول العقوبات.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي. وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: رَحْمَةٌ». [صحيح مسلم (899)]
وفي رواية: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ [وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة، ويقال: أخالت: إذا تغيمت] السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عَنْهُ. فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ! كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}». [صحيح مسلم (899)]
وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ. إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ، قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا، أَوْ رِيحًا، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَى النَّاسَ، إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ، فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ. وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ، عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ. قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ. وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}». [صحيح مسلم (899)]
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ذكره لفوائد روايات هذا الحديث: «فيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه وكان خوفه ﷺ أن يعاقبوا بعصيان العصاة وسروره لزوال سبب الخوف» [شرح مسلم (6/ 196)]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». [صحيح مسلم (900)] [الصَّبا: بفتح الصاد، وهي الريح الشرقية، وأهلكت عاد بالدبور: وهي بفتح الدال، وهي الريح الغربية]
فهذا من هدي النبي ﷺ وشدة خوفه من عذاب الله تعالى، وشفقته على أمته، فإذا كانت هذه حاله عليه الصلاة والسلام حينما يحدث الكسوف، أو الغيم والريح؛ لأن هذه من آيات الله التي قد تكون دالة على حدوث بلية أو نازلة، أو عذاب، فكيف بحالنا في هذه الأزمان التي كَثُرت فيها المعاصي، والغفلة، والإعراض، واللهو، وغير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فيجب علينا أن نلجأ إلى الله -عز وجل -ونلوذ به ونعتصم بحبله في جميع أحوالنا: في الرخاء والشدة، والسراء والضراء، وقد قال الله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الذاريات: 50]
ولشدة خوف النبي ﷺ من الله -عز وجل - بكى في سجود صلاة الكسوف فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام. [ينظر صلاة الكسوف: القحطاني من 25 :29]
2 - استحضار ما رآه النبي ﷺ في صلاة الكسوف.
فإن ذلك يثمر الخوف من الله - عز وجل -، فقد رأى النبي ﷺ في صلاة الكسوف: الجنة والنار، وهمَّ أن يأخذ عنقودًا من الجنة فيريهم إياه.
ورأى بعض عذاب أهل النار، فرأى: امرأة تعذب في هِرَّة، ورأى عمرو بن مالك بن لُحي يجرّ أمعاءه في النار وكان أول من غيّر دين إبراهيم ﷺ، ورأى فيها سارق الحاج يعذب.
ورأى أكثر أهل النار النساء بكفرهن لإحسان العشير، وأُوحي إليه أن الناس يفتنون في قبورهم.
ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله ﷺ، وغير ذلك.
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال حين خطب الناس بعد صلاة الكسوف: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». [صحيح البخاري (1044)]
وفي رواية: لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ، حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ، وَهْوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ.» [صحيح البخاري (1212) ومسلم (901)]
وفي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال بعد أن صلى صلاة الكسوف: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ. وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِ الْعَشِيرِ، وَبِكُفْرِ الْإِحْسَانِ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.» [صحيح البخاري (1052) ومسلم (907)]
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، أَنَّهَا قَالَتْ: «أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ: أَيْ نَعَمْ. قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ، مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، أَوِ الْمُوقِنُ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ﷺ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوِ الْمُرْتَابُ، لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ». [صحيح البخاري (1053)]
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «... وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ. [صحيح مسلم (904)]
وفي رواية: وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ. كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ. فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي. وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ. حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي، وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لَا أَفْعَلَ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ». [صحيح مسلم (904)]
3 – الفزع إلى ذكر الله، والدعاء، والاستغفار، والتكبير، والعتق، والصدقة، والصلاة، والتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر؛ للأحاديث الكثيرة في ذلك.
4 -النداء بـ "الصلاة جامعة" لـ صلاة الكسوف.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: «لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، نُودِيَ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ». [صحيح البخاري (1045) ومسلم (910)]
ومعنى (الصلاة جامعة) أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة.
5- لا أذان ولا إقامة لصلاة الكسوف.
لأن النبي ﷺ صلاها بغير أذان ولا إقامة ولأنها من غير الصلوات الخمس، فأشبهت سائر النوافل.
«قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك، وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام.» [فتح الباري لابن حجر (2/ 533)]
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: «ويسن أن ينادى لها: الصلاة جامعة؛ ...ولا يسن لها أذان ولا إقامة؛ لأن النبي ﷺ صلاها بغير أذان ولا إقامة، ولأنها من غير الصلوات الخمس، فأشبهت سائر النوافل» [المُغني لابن قدامة (2/ 313)]
6 -الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «جَهَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَِ سَجَدَاتٍ.» [صحيح البخاري (1065) ومسلم (901)]
فيجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهارًا؛ ولأنها نافلة شرعت لها الجماعة فكان من سنتها الجهر، كصلاة الاستسقاء، والعيد، والتراويح.
7-صلاة الكسوف جماعة في المسجد
وهو سنة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا، فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى، فَمَرَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ،» [صحيح البخاري (1056) ومسلم (3 - (901))]
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: «فعلها في الجماعة أفضل؛ لأن النبي ﷺ صلاها في جماعة، والسنة أن يصليها في المسجد؛ لأن النبي ﷺ فعلها فيه.» [المُغني لابن قدامة (2/ 312)]
فالسنة في صلاة الكسوف أن تُصلى جماعة في المسجد؛ لفعل النبي ﷺ، ويجوز أن تُصلى فرادى، ولكن فعلها في الجماعة أفضل؛ لأن النبي ﷺ صلاها جماعة، والسنة أن يصلوا في المسجد.
8 – حضور النساء صلاة الكسوف وصلاتهن خلف الرجال:
«هو مشروع إِنْ أَمِنَت الفتنة وخَرَجْنَ مُتَسَتِّرات غير مُتَبَرِّجات ولا مُتَعَطِّرات» [الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (5/ 111) محمود خطاب السّبكي]
لأن عائشة وأسماء رضي الله عنهما صلَّتا مع رسول الله ﷺ صلاة الكسوف،
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، أَنَّهَا قَالَتْ: «أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ: أَيْ نَعَمْ. قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ.». [صحيح البخاري (1053) واللفظ له ومسلم (905)]
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله: «باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف» [صحيح البخاري (2/ 37)]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى» [فتح الباري (2/ 543)]
وقال الإمام النووي رحمه الله: «وفيه استحباب صلاة الكسوف للنساء وفيه حضورهن وراء الرجال» [شرح النووي (6/ 209)]
9 – تُصلَّى صلاة الكسوف في الحضر والسفر
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا». [صحيح البخاري (1042)]
«وتشرع في الحضر والسفر» [المغني لابن قدامة (3/ 322)]
وكذلك تصلى في جميع الأوقات حتى المنهى عن الصلاة فيها. [ينظر صحيح فقه السنة أبو مالك (1/383)].
10 – يسن الإطالة في صلاة الكسوف
على حسب تَحَمُّلِ المصلين، وعلى حسب وقت الكسوف.
لحديث أسماء رضي الله عنها، وفيه: «فَأَطَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْقِيَامَ جِدًّا، حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ» [صحيح البخاري (1053) ومسلم واللفظ له (905)]
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ صلى فقام قيامًا طويلاً [في القيام الأول]: (نحوًا من قراءة سورة البقرة ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول ...)
فالسنة تطويل صلاة الكسوف تطويلاً لا يشقُّ على الناس.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ بِأَصْحَابِهِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ. [صحيح مسلم (904)]
فما أعظم هدي النبي ﷺ في صلاة الكسوف، خوفًا من عذاب الله ورجاءً لرحمته.
شارك هذه الفائدة مع غيرك، لعلها تكون سببًا للهداية.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
______
هل استفدت من هذه الفائدة؟