حكم صلاة الكسوف والخسوف

الكسوف والخسوف آيتان عظيمتان من آيات الله تعالى، يخوّف بهما عباده، وقد شرع لنا النبي ﷺ عند رؤيتهما صلاةً عظيمة تزيد القلوب خشيةً وخضوعًا.

صلاة الكسوف والخسوف عبادة عظيمة تُذكّر العباد بعظمة الله تعالى وضعف العباد، وتذكير بآيات الله وقدرته، وهي عبادة تجمع بين الصلاة والدعاء والصدقة.

 

الكسوف والخسوف لغةً واصطلاحًا

الكسوف لغة: التغير إلى سواد، يقال: كسفت حاله إذا تغيرت، وكسف وجهه إذا تغير، وكسفت الشمس: اسودَّت، وذهب شعاعها.

والخسوف لغة:

النقصان، يقال: خسف المكان يخسف خسوفًا، إذا ذهب في الأرض، ويقال: عينٌ خاسفة: إذا غابت حدقتها، وبئر مخسوفة: إذا غاب ماؤها ونزف، وتُصوِّرَ من خسف القمر مهانة تلحقه فاستعير الخسف للذل، فقيل: تحمل فلان خسفًا.

فكسوف الشمس والقمر وخسوفهما: تغيرهما ونقصان ضوئهما فهما بمعنى واحد وكلاهما صحت به الأحاديث، وجاء القرآن بلفظ الخسوف للقمر. وقد قال بعض اللغويين: لا يقال في الشمس إلا: كُسفت، وفي القمر إلا: خُسف» [المفهم (2/ 549)]

الكسوف أو الخسوف في الاصطلاح:

احتجاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه بسبب معتاد يخوف الله به عباده.

 

الكسوف والخسوف آيتان لتخويف العباد

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ. [صحيح البخاري (1048)].

قال شيخ الإسلام رحمه الله: والتخويف إنما يكون بما هو سبب للشر المخوف؛ كالزلزلة والريح العاصف، وإلا فما وجوده كعدمه لا يحصل به تخويف. فعلم أن الكسوف سبب للشر، ثم قد يكون عنه شر.

ثم القول فيه كالقول في سائر الأسباب: هل هو سبب -كما عليه جمهور الأمة؟ أو هو مجرد اقتران عادة كما يقوله الجهمية.

وهو ﷺ أخبر عند أسباب الشر بما يدفعها من العبادات التي تقوي ما انعقد سببه من الخير، وتدفع أو تضعف ما انعقد سببه من الشر. [منهاج السنة النبوية (5/445)].

 

حكم صلاة الكسوف

يرى جمهور العلماء أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة على كل مسلم ومسلمة في الحضر والسفر، بل ادعى النووي وابن الوزير الإجماع على ذلك.

قال الإمام النووي رحمه الله: وأجمع العلماء على أنها سنة. [شرح مسلم (6/190)].

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: وصلاة الكسوف سنة مؤكدة؛ لأن النبي ﷺ فعلها وأمر بها.  [المغنى (2/ 316)].

 وقيل هي واجبة ومال إليه الشوكاني وصديق حسن خان والألباني والصنعاني وابن القيم وابن عثيمين وغيرهم رحمهم الله تعالى:

فعَنِ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: «انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ». [صحيح البخاري (1060)، ومسلم (915)].

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي. فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدًّا، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ جِدًّا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدًّا. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ جِدًّا. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ. وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا. وَادْعُوا اللهَ، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ. [صحيح مسلم (901)].

قال العثيمين رحمه الله تعالى: والخلاصة أن الذي نرى وجوب صلاة الكسوف؛ إما على الأعيان، أو على الكفاية. [فتاوى أركان الإسلام].

 

وقت صلاة الكسوف والخسوف ومتى تفوت؟

- الكسوف الذي وقع للشمس في عهد النبي ﷺ وقع مرة واحدة في أول النهار، على مقدار رمح أو رمحين من طلوع الشمس. وذلك في الساعة الثامنة صباحاً في الصيف، في يوم الإثنين، في آخر شهر شوال، من السنة العاشرة للهجرة، ووافق ذلك موت ابن النبي ﷺ إبراهيم، فخرج ﷺ إلى المسجد مسرعاً فزعاً يجر رداءه فصلى بالناس صلاة الكسوف. [موسوعة الفقه الإسلامي التويجري (2/672)].

 

- وقت صلاة الكسوف والخسوف يبدأ من ظهور الكسوف أو الخسوف إلى زواله.

وقت صلاة الكسوف من حين الكسوف إلى التجليِّ.

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ ﷺ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». [صحيح البخاري (1040)]

ولحديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه -وفيه: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ» [صحيح البخاري (1060) ومسلم (915)].

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا.» [صحيح البخاري (1044)، ومسلم (901)].

 

متى تفوت صلاة الكسوف والخسوف؟

وقت صلاة الكسوف من حين الكسوف إلى التجليِّ، فإن فات لم تُقْضَ؛ لأن النبي ﷺ جعل الانجلاء غاية للصلاة؛ ولأن الصلاة إنما شرعت رغبة إلى الله في ردها، فإذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة.

وإن انجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة، وإن استترت الشمس والقمر بالسحاب وهما مكسوفان صلى؛ لأن الأصل بقاء الكسوف.

وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت على القمر وهو خاسف لم يصل؛ لأنه قد ذهب وقت الانتفاع بنورهما.

وإن فرغ من الصلاة والكسوف قائم لم يزد صلاة أخرى، وإنما يشتغل بالذكر، والدعاء، والاستغفار؛ لأن النبي ﷺ لم يزد على ركعتين.

 فظهر أن صلاة كسوف الشمس تفوت بأمرين:

الأمر الأول: الانجلاء، فإذا انجلت كلها لم يصلِّ.

الأمر الثاني: إذا غابت كاسفة فلا يصلي بعد الغروب.

 وأما صلاة خسوف القمر فتفوت بأمرين أيضًا:

الأمر الأول: الانجلاء.

الأمر الثاني: طلوع الشمس.

 

وإذا كسفت الشمس بعد صلاة العصر، أو القمر بعد طلوع الفجر، فالصواب أنه يشرع للمصلين أن يبادروا للصلاة؛ لأن صلاة الكسوف من الصلوات ذوات الأسباب التي يجوز أن تُصلَّى في وقت النهي على الصحيح من قولي أهل العلم.

وإذا اجتمع كسوف وجمعة، أو كسوف وصلاة فريضة، أو كسوف ووتر، بدأ بأخوفهما فوتًا، فإن خيف فوتهما بدأ بالواجبة.

 

صلاة الكسوف مرتبطة بالرؤية لا بالخبر

سئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي: لو علم الكسوف في ناحية من الكرة الأرضية، فهل تسن الصلاة لكل من على الأرض، أم هي لمن يرى الكسوف؟

  فقال صلاة الكسوف لا يشرع إلا لمن رآه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا رأيتم ذلك)، ولذلك لا يشرع أن تصلى صلاة الكسوف في المواضع التي لا يرى فيها الكسوف، ... وقد قرر هذا شيخ الإسلام، والإمام ابن القيم رحمهما الله وقرره أيضاً علماء الفلك والباحثين فيه.

فعلى هذا يكون الكسوف في بعض المواضع دون بعضها، فإذا كان الموضع الذي فيه المكلف فيه كسوف صلى، وأما إذا كان في موضع ليس فيه كسوف فلا يشرع له أن يصلي؛ لأن النبي ﷺ قال: (إذا رأيتم ذلك)، فجعل الحكم معلقاً على الرؤية، فالمواضع التي لا يرى فيها الكسوف لا تشرع فيها صلاة الكسوف. والله تعالى أعلم. [شرح زاد المستقنع محمد بن محمد المختار الشنقيطي (75/ 23)]

الخاتمة:

صلاة الكسوف تذكير للمؤمنين بعظمة الله تعالى وضعف العباد، وهي عبادة تجمع بين الصلاة والدعاء والصدقة، فلتكن قلوبنا حاضرةً عند آيات الله، ولنجعلها فرصة للتوبة والإنابة.

شارك هذه الفائدة مع غيرك لعلها تكون سببًا في هداية قلب.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

________

هل استفدت من هذه الفائدة؟