
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب
الغضب عدو الإنسان؛ لا يُبقي له صديقًا، ولا يدع له رفيقًا، يورثه الألم والحزن والندم. وأحيانًا يدعوه لظلم الناس، وينسيه العدل والإنصاف، يوقعه في الطلاق، وينسيه ألم الفراق، ويسبب الشحناء والبغضاء؛ لذا وجه الإسلام إلى ترك الغضب، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37].
وعن أبي الدرداء قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال: "لا تغضب، ولك الجنة". صحيح الترغيب 2749.
وعن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: " لا تغضب "، فردَّد مراراً، قال: "لا تغضب" البخاري رقم 6116. وفي رواية قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. مسند أحمد (23171)، بإسناد صحيح.
وأيضًا دلنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاج الغضب، برأيك كيف يمكن للإنسان أن يتحكم في غضبه؟ وما هي التوجيهات النبوية للتعامل مع الغضب؟
تحديث:
أحبابنا قد أسعدتمونا كثيرًا بتعليقاتكم المميزة والرائعة والمفيدة كلها، والتي وضحت لنا كيف يمكن أن نتحكم يالغضب، وإليكم بإذن الله وسائل التحكم بالغضب وعلاج الغضب بشيء من التفصيل:
- علاج الغضب:
هناك وسائل عديدة لعلاج الغضب، وكما قيل: الوقاية خير من العلاج، فأول شيء يجب علينا فعله هو اجتناب من هو كثير الغضب؛ المفاخر بالغضب. وقد قيل: أسرع العدوى سوء الخلق.
وأهم وسائل التحكم بالغضب:
- أولًا: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].وعن سليمان ابن صُردٍ قال: «استَبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلمُ كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد. لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» متفق عليه.
- ثانيًا: تغيير الحالة التي عليها بالجلوس أو الخروج، أو غير ذلك، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم قال لنا: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلّا فليضطجع» صحيح الجامع «694»
- ثالثًا: التزام الصمت ومحاولة التفكر في عاقبة الغضب، والتي تؤدي إلى الندم والحسرة على ما كان من قولٍ جارح ، أو عملٍ أهوج. فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم فليسكت» قالها ثلاثًا. الصحيحة رقم(363).فالسكوت دواء عظيم للغضب؛ لذا لا تنصح وأنت غضبان ولا تعاقب وأنت غضبان ولا تحكم وأنت غضبان فإذا سكن الغضب فقل ماشئت.
- رابعًا: مما يعين على إطفاء نار الغضب استحضار فضل كظم الغيظ وعظيم ثواب من أمسك غضبه ولم ينفذه، قال صلى الله عليه وسلم «ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة». صحيح الجامع (176).وقال صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله تبارك وتعالى على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء». صحيح الجامع «6522». وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلم على التحكم في انفعالاته وقهر للغضب، والعمل على عدم إنفاذه رغبةً فيما عند الله. فعن أبي هريرة قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه. فمن لم يملك اليد واللسان وهو غضبان فهو ضعيف.
- خامسًا: الدعاء، وهذا هو سلاح المؤمن دائمًأ، فهو يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بعد القضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرّ ة ولا فتنة مضلّة الله زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين».
- سادسًا: الاغتسال أو الوضوء، وقد ورد هذا في مسند الإمام أحمد، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الإمام النووي وضعفه محققو المسند، ونصه: عن عروة السعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» مسند أحمد (29/505) سنن أبو داود (4784)، بإسناد ضعيف.
قال العلماء: لكن معنى الحديث مقبول وصحيح من جهة الطب؛ لأن الغضب يصاحبه فوارن الدم، والماء يطفئ هذه الفورة ويكسر حدتها، ولذلك ما زال الفقهاء يذكرون الوضوء كعلاج للغضب، ولم ينكر ذلك أحد منهم، إلا أن ذلك لا يعني تصحيح الحديث، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن المنذر رحمه الله: "إن ثبت هذا الحديث فإنما الأمر به ندبًا ليسكن الغضب، ولا أعلم أحدًا من أهل العلم يوجب الوضوء منه". "الأوسط" (189).
يقول صاحب كتاب "الحديث النبوي وعلم النفس": يشير هذا الحديث إلى حقيقة طبية معروفة، فالماء البارد يهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال، كما يساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي والعصبي، ولذلك كان الاستحمام يستخدم في الماضي في العلاج النفسي". "الحديث النبوي وعلم النفس" (122).
اللَّهمَّ اهدني لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدني لأحسنِها إلَّا أنتَ ، وقني سيِّئَ الأعمال والأخلاق لا يقي سيئَها إلا أنتَ.
رجاءً شاركوا الفائدة مع أحبابكم، فالدال على الخير كفاعله.
وأيضًا اكتبوا لنا أفكارًا لمواضيع أخرى تودون طرحها للمناقشة عبر نافذة الفوائد…
للاستزادة:
دائرة معارف الأسرة المسلمة
كتاب لا تغضب
جامع العلوم والحكم لابن رجب