قولٌ من أكبر الكبائر!

قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30].

وعن أبي بَكْرةَ -رضي الله عنه- قال: قال النبيُّ ﷺ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «‌أَلَا ‌وَقَوْلُ ‌الزُّورِ»، قَالَ أبو بَكْرةَ -رضي الله عنه-: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ! [البخاري (2654)].

واقتران قول الزور بعبادة الأوثان أو الشرك وعقوق الوالدين دليل صريح على قُبْحه وشناعته، وظهر ذلك في فِعل النبي ﷺ في الحديث السابق؛ حيث غيَّرَ ﷺ وَضْعَ جلوسه عندما تحدث عن قول الزور تحديدًا، ويُفيد ذلك تأكيدَ تحريم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اقتران قول الزور بالشرك، وتغيير النبي ﷺ وَضْعَ جلوسه عندما تحدث عنه تحديدًا؛ لا يعني أنه يساوي الشرك بالله أو يَفُوقه؛ وإنما يعني أن قول الزور مَفسدةٌ مُتعدِّيةٌ إلى الآخرين؛ حيث يترتب عليه من الكذب والفجور والظلم وهدر الحقوق ونشر البغضاء والضغينة ما الله به عليم؛ فبسببه انتُزِعت أملاكٌ بغير حق، وأُكِلَت أموالٌ ظلمًا، وانتُهِبت حقوقٌ بالباطل، واتُّهِم البريءُ وبُرِّئَ الجاني، وكم من قضايا باطلةٍ ودعاوى كاذبةٍ أُلْبِسَت لباس الزور فأصبحت قضايا مُصدَّقةً -أو العكس-، بخلاف الشرك بالله فإن مَفسدته قاصرة على صاحبه -غالبًا-.

صور قول الزور:

يظن كثير من الناس أن قول الزور منحصر في الشهادة الكاذبة أمام القاضي في المحكمة، بينما صوره متعددة؛ فمنها مثلًا: الإمضاء على أوراق في العمل تُثبت أن فلانًا قام بكذا وكذا وهو لم يقم به، أو إعطاء شهادات لطلاب تُثبت أنهم درسوا مواد معينة وتجاوزوا اختباراتها وهم لم يفعلوا ذلك، أو إرسال تقارير مُزوَّرة إلى مدير العمل، أو التزييف في فواتير المحلات التجارية، أو وصف التاجر بضاعتَه بأوصافٍ غير حقيقية كي يجذب انتباه الناس ويروِّج لتجارته، أو تزوير شهادات الخبرة في مجال معين، أو أن يسألك أحد عن أخلاق فلان أو فلانة من أجل الزواج فتقول له أوصافًا غير حقيقية -سواء كانت أوصافًا محمودةً أو مذمومةً-.

فشهادة الزور سببٌ لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب؛ لأن فيها ضياعَ حقوق الناس وظُلمَهم وطَمْسَ معالم العدل والإنصاف، ومن شأنها أن تُعينَ الظالم على ظلمه وتعطي الحق لغير مُستحِقِّه، وتَعصِف بالمجتمع عصفًا وتدمِّره تدميرًا!

وإذا كانت الشهادة بالزور مذمومةً ينأى عنها كل مَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ فإن شهادة الحق محمودة؛ ولذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135]، وقال تعالى أيضًا: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86].

فكُن حريصًا -أخي المسلم- على اجتناب قول الزور أو الشهادة به كي تكون في رِكَاب المؤمنين الذين نَزَّههم الله تعالى عن قول الزور وجعل من أبرز صفاتهم الابتعادَ عنه أو الشهادةَ به؛ حيث قال سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.

شارك تلك الفائدة مع أحبابك؛ لعلها تَمنع أحدًا من تلك الجريمة الشنيعة!