حمل المصلي الآن
مدونة المصلي >> صلاة المسافر

زاد المسافر: آدابه وسننه وأحكامه 🌿

زاد المسافر: آدابه وسننه وأحكامه 🌿
2025‏/09‏/11
34٬230

السفر بابٌ من أبواب الحياة، يجد الناس في الأسفار والرحلة إلى الأمصار فرصة للاستجمام والراحة من متاعب الحياة ومشاغلها، ويخرج من بيئته المعتادة إلى بلاد جديدة، مستمتعًا برؤية البلدان، وبدائع الأوطان، ومستفيدًا من دروس التاريخ ومصارع الأمم، مما يزيد العبد يقيناً بعظمة الخالق وبديع صنعه، قال الله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات: 20]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: 11].

غير أنَّ هذا الترحال الذي قد يراه البعض مجرد وسيلة للراحة أو طلب المعاش، فقد وضعت الشريعة له من الضوابط والآداب التي ترفع همَّة المسلم، وتحوِّل رحلته إلى زادٍ إيمانيٍّ، وتجعله لا يخرج عن إطار التعبّد لله جلّ وعلا، إذا التزم بما جاءت به السنَّة النبوية المطهَّرة.

 

أولًا: الاستخارة قبل السفر

     من أعظم ما يفتتح به المسافر رحلته أن يلجأ إلى ربِّه جل وعلا بالاستخارة، يسأله الخير حيث كان، ويستعيذه من الشر حيث وُجد، طالبًا منه التوفيق والهداية في كل خطوة.

وقد علَّم النبي ﷺ أصحابَه دعاء الاستخارة كما كان يعلِّمهم السورة من القرآن.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي، فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي. قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ».

[صحيح البخاري (1162)].

 

     وهذا يربي المسلم على أن يربط أموره كلّها بخالقه ومدبّر أموره، فلا يُقدم على شيء ولا يتأخّر عنه إلا بعد أن يستخير الله ويفعل ما ينشرح له صدره.

وفي الاستخارة إبطالٌ لما كان يفعله أهل الجاهليّة من زجر الطير أو سؤال الكهّان والعرّافين، أو غير ذلك من أنواع الدجل والخرافة.

 

صلاة المسافر ركعتين قبل الخروج من بيته

     عَن أَبِي هُرَيرة، عَن النَّبِيّ ﷺ قال: ‌إذا ‌خرجت ‌من ‌منزلك ‌فصل ‌ركعتين ‌تمنعانك ‌مخرج ‌السوء، وإذا دخلت منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء.»

[(حسن) مسند البزار (8567) وفي صحيح الجامع (505) والصحيحة (1323) وقال ابن حجر: حديث حسن، وقال الهيثمي: رجاله موثقون.]

ثانيًا: توبة المسافر وردّ الحقوق قبل السفر

أن يبدأ سفره بتوبة نصوح، وردِّ المظالم، وكتابة الوصية، فإنَّه لا يدري أين يدركه الموت.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:

«مَا حَقُّ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ.»

📖 [صحيح البخاري (2738)، مسلم (1627)].

ويشهد عليها، ويقضي ما عليه من الديون، ويرد الودائع إلى أهلها أو يستأذنهم في بقائها.

وهذا يرسِّخ مبدأ المسؤولية الشرعية والحقوقية قبل الانشغال بأمور الدنيا.

 

ثالثًا: اختيار الرفقة الصالحة

من وصايا النبي ﷺ للمسافر تعهّد المركبة وإعداد العدّة، واختيار الرفقة الصالحة، والسفر مع الجماعة، والنهي عن الوحدة، حمايةً من الأخطار المحتملة، ووقاية من كيد الشيطان ووسواسه.

والرفيق في السفر نعمة عظيمة، فبه تزول وحشة الطريق، وبه تُستجلب البركات.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: الرجُلُ على دِينِ خَليلِهِ، فلينظر أحدُكُم من يُخالِلُ»

📖[(حسن) سنن أبي داود (4833)]

فيستحب للمسافر أن يصطحب رفقةً صالحةً في سفره يُخفِّفون عنه وحشة الطريق، ويساعدونه عند الحاجة.

 

ونهى النبي ﷺ عن الوحدة في السفر

 عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

 «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ.»

📖 [صحيح البخاري (2998)]

وقال رسول الله ﷺ: «الراكب شيطان، ‌والراكبان ‌شيطانان، والثلاثة ركب»

📖[(حسن) سنن أبي داود (2607)]

يقول الإمام الخطابي:

«معناه والله أعلم أن ‌التفرد ‌والذهاب ‌وحده ‌في ‌الأرض ‌من ‌فعل ‌الشيطان أو هو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه فقيل على هذا إن فاعله شيطان، ويقال إن اسم الشيطان مشتق من الشطون وهو البعد والنزوح... فيحتمل على هذا أن يكون المراد أن الممعن في الأرض وحده مضاه للشيطان في فعله وتشبه اسمه وكذلك الاثنان ليس معهما ثالث فإذا صاروا ثلاثة فهم ركب أي جماعة وصحب، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال في رجل سافر وحده أرأيتم إن مات من اسأل عنه.»

📖 [معالم السنن (2/ 260)]

 

سؤال فقهي⁉️

هل يدخل السفر بالسيارات والطائرات، أو في الطرق العامرة المأهولة، ضمن النهي الوارد عن السفر وحده؟

كراهة الانفراد ظاهرة في الصحراء والطرق غير المسلوكة، أما في الطرق التي لا تخلو من المسافرين فلا يكره سفر الرجل وحده، وإن كان الأولى وجود الرفقة فيها أيضًا.

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «وأما ما يكون في الخطوط العامرة التي لا تكاد تمر فيها دقيقة واحدة إلا وتمر بك فيها سيارة فهذا وإن كان الإنسان في سيارة وحده فليس من هذا الباب يعني ليس من باب السفر وحده لأن الخطوط الآن عامرة من محافظة لأخرى ومن مدينة لثانية وما أشبه ذلك فلا يدخل في النهي»

📖 [شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (4/ 585)]

 

بذل المسافر الزاد لأصحابه في السفر

السفر مدرسة للعطاء، وكان من هدي النبي ﷺ في الأسفار: التعاون والتكافل.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:

بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فقال رسول الله ﷺ (‌مَنْ ‌كَانَ ‌مَعَهُ ‌فَضْلُ ‌ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ. وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ).»

📖 [صحيح مسلم (1728)]

 

رابعًا: الإمارة في السفر

من سنن النبي ﷺ أن يؤمَّر المسافرون أحدهم عليهم ليكون أجمعَ لشملهم، وأدعى لاتفاقهم، وأقوى لتحصيل غرضهم.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:

«إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»

📖 [(حسن صحيح) سنن أبي داود (2608)]

وفي هذا درس تربوي عظيم على لزوم الجماعة وتجنّب أسباب التفرقة.

 

خامسًا: وقت خروج  المسافر للسفر

السفر يوم الخميس سنة نبوية:

كان كعب بن مالك رضي الله عنه يقول: «لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ»

📖 [صحيح البخاري (2949)]

وفي حديث آخر: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه:

«أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ.

📖 [صحيح البخاري (2950)]

 

ودعا لأمته بالبركة في البكور.

 عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

«اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا». وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ «وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهُوَ صَخْرُ بْنُ وَدَاعَةَ»

[(صحيح) سنن أبي داود (2606) والترمذي (1212) وابن ماجه (2236)]

 

وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

«عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ، ‌فَإِنَّ ‌الْأَرْضَ ‌تُطْوَى ‌بِاللَّيْلِ»

[(صحيح) سنن أبي داود (2571)]

والدلجة: أول الليل، وقيل: الليل كلَّه.

فالخروج أول النهار أو أوائل الليل أدعى للتيسير والبركة.

 

سادسًا: النهي عن بعض المحظورات في السفر

منها:

سفر المرأة بلا محرم

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ:

«لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ.»

📖 [صحيح البخاري (3006)]

 

المرور على ديار المعذَّبين إلا على سبيل الاعتبار

المرور على ديار المعذَّبين لا يجوز أن يكون على سبيل النزهة أو التسلية، بل على سبيل الاعتبار والاتعاظ.

 فقد مرَّ النبي ﷺ بديار ثمود – قوم صالح – في طريقه إلى تبوك، فأسرع السير، وغطّى رأسه.

فعَنْ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:

«أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهْوَ عَلَى الرَّحْلِ.»

📖 [صحيح البخاري (3380)]

 

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:

 «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ». [رواه البخاري: 433، ومسلم: 2980].

 

فالعاقل إذا مرَّ بمساكن الهالكين تذكَّر قدرة الله وانتقامه من أهل المعاصي، فيزداد خوفًا من الذنوب، ورجاءً في رحمة علام الغيوب.

 

‌‌لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم

فقد نهى النبي ﷺ أن يطرق الرجل أهلَه ليلًا إذا أطال الغَيبة من غير إعلام.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «كَانَ لَا ‌يَطْرُقُ ‌أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً.»

[صحيح البخاري (1800) ومسلم (1928)]

الحكمة: حتى يتهيّأ الأهل للقاء، ويكون الاجتماع بالمودّة والسكينة.

 

لا تصحبوا الكلاب ولا الأجراس في السفر

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ.»

📖 [صحيح مسلم (6/ 163)]

فوجود الكلب أو صوت الجرس يمنع صحبة الملائكة، وهي بركة عظيمة يحتاجها المسافر في طريقه.

 

سابعًا: رفقٌ بالدواب وحفظٌ للركاب في السفر

إذا احتاج المسافر للمبيت أو الراحة أثناء السفر فعليه الابتعاد وعدم النزول في وسط الطريق؛ لأنه مأوى الهوام ليلًا.

كما أرشدنا النبي ﷺ في السفر إلى الرفق بالبهائم، وعدم إرهاقها في السير، وأمر أن تُعطى حظها من المرعى في وقت الخصب، وأن يُخفَّف عنها بالإسراع إذا كان القحط.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:

«إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ.»

📖 [صحيح مسلم (6/ 54)]

التعريس النزول في آخر الليل وللراحة فيه.

 

ثامنًا: الرخص الشرعية للمسافر 🌿

جعل الله السفر سببًا للتيسير، رحمةً بعباده، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ.»

[صحيح البخاري (1804)]

ومن رُخَص السفر:

قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين.

الجمع بين الصلاتين عند الحاجة.

الفطر في رمضان عند المشقة.

المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن.

صلاة النافلة على الراحلة.

 

بشرى للمسافر والمريض 🌸

ومن رحمة الله بعباده أنه لا يقطع عنهم الأجر عند العذر، فـ المسافر يُكتب له أجر أعماله المعتادة كأنه في بلده، والمريض ينال ثواب عبادته كأنه في صحته.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا.»

[صحيح البخاري (4/ 57)]

 

دعاء المسافر مستجاب 🌿

بشَّر النبي ﷺ المسافر بأن دعاءه لا يُرد:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ‌ثَلَاثُ ‌دَعَوَاتٍ ‌مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المسافر، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى ولده.»

📖 [(حسن) صحيح الأدب المفرد (199) وسنن أبي داود (1536)]

 

 

تاسعًا: الترويح في السفر

السفر مشقة، وقد كان النبي ﷺ يراعي النفوس ويُدخل السرور على أصحابه فيه، فكان يمازحهم، ويُسابق بعض أزواجه رضي الله عنهن، ويخفف عن الركب بما يُنسيهم عناء الطريق.

فالمسلم في سفره يحتاج إلى الترويح المباح: كالكلمة الطيبة، والمزاح البريء، والمسابقات النافعة، ما لم يُشغل عن طاعة أو يوقع في معصية. 🌿

وكان أنجشة يحدو بالنساء في المسير، فأقرَّه النبي ﷺ، بل أوصاه بالرِّفق.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ مَعَهُ غُلَامٌ لَهُ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ ‌أَنْجَشَةُ يَحْدُو، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: وَيْحَكَ يَا ‌أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ.»

[صحيح البخاري (6161)]

وفي رواية: «كَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ حَادٍ يُقَالُ لَهُ ‌أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ رُوَيْدَكَ يَا ‌أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ» قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي: ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.

[صحيح البخاري (6211)]

 هذا هديٌ نبويٌّ عظيم في إدخال السرور، وكسر مشقة الطريق، بشرط أن يكون الترفيه بريئًا لا يشغل عن طاعة ولا يوقع في محظور.

 فاجعل سفرك بهجةً، مقرونًا بابتسامة صافية وروح طيبة.

 

عاشرًا: ركعتان في المسجد عند القدوم من السفر

يُسن للمسافر إذا عاد من سفره أن يبدأ بالمسجد، فيصلي ركعتين.

فعن جابر بن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، قَالَ لِي: ادْخُلِ الْمَسْجِدَ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.»

[صحيح البخاري (3087)]

عَنْ كَعْبٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ.»

[صحيح البخاري (3088)]

 

وكان يُستقبل بالأطفال، ويحملهم معه على دابته، في مشهد رحيم عظيم

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ: وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، قَالَ: فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ».

[صحيح مسلم (2428)]

 

خاتمة

السفر في الإسلام مدرسة إيمانية، يجمع بين متاع الدنيا وزاد الآخرة. فهو فرصة لتقوية الصلة بالله، وتعظيم نعمه، واستشعار الأخوَّة، والاعتبار بمصارع الأمم.

فلنحرص – أيها الأحبة – أن نجعل أسفارنا طاعة، وأن نستحضر ذكر الله في كل خطوة، حتى نكون ممن قال الله فيهم: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197].

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

هل انتفعت بهذه الفائدة

للاستزادة

https://isla.mw/2aoswf

بحث

الأكثر تداولاً

مقالات متعلقة

2025‏/09‏/03
34٬273

آية الكرسي: أعظم آية في القرآن (1)

أعظم آية في القرآن، تعرّف على معانيها العقدية والتربوية وفضلها العظيم، مع بيان أثرها في طمأنينة القلب وحماية المسلم.

2025‏/09‏/03
39٬571

آية الكرسي: أعظم آية في القرآن (2)

آية الكرسي أعظم آية في القرآن، تعرّف على معانيها العقدية والتربوية وفضلها العظيم، مع بيان أثرها في طمأنينة القلب وحماية المسلم.

2025‏/09‏/10
33٬470

أذكار المسافر: زادُ الطريق وحصنُ المؤمن

اكتشف أفضل أذكار المسافر وأدعية السفر من السنة النبوية: حصن نفسك بالذكر، وشارك الأجر!

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2025 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة

Powered by Madar Software