
عندما يذهب بالكفرة الملحدين، والمشركين الضالين إلى دار البوار: جهنم يصلونها، وبئس القرار، يبقى في عرصات القيامة أتباع الرسل الموحدون، وفيهم أهل الذنوب والمعاصي، وفيهم أهل النفاق، وتلقى عليهم الظلمة قبل الجسر. [القيامة الكبرى (ص272)]
"وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال بينهم وبينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم. [النهاية (2/ 105)]
الصراط في اللغة الطريق الواضح. وشرعًا: جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون، فهو قنطرة جهنم بين الجنة والنار وخلق من حين خلقت جهنم». [لوائح الأنوار السنية (2/ 211)]
ولا بد من المرور على الصراط لكل من يدخل الجنة. قال القرطبي: «جهنم - أعاذنا الله منها - محيطة بأرض المحشر وحائلة بين الناس وبين الجنة، ولا طريق للجنة إلا الصراط الذي هو جسر ممدود على متن جهنم، فلا بد لكل من ضمه المحشر من العبور عليه؛ فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكردس في نار جهنم». [المفهم 6/ 444)].
تصور طول هذا الصراط إذا علمنا أن كل الأمم - فيما عدا الكفار - سيكونون عليه يوم تبدل الأرض والسموات، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ.». [صحيح مسلم (2791)] وفي رواية عند الترمذي (3121) (هم على جسر جهنم).
والناس في سرعة المرور على قدر إيمانهم وأعمالهم الصالحة التي قدموها في الدنيا، "تجري بهم أعمالهم" فبحسب استقامة الإنسان على دين الإسلام وثباته عليه يكون ثباته ومروره على الصراط. ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». [صحيح البخاري (739) ومسلم (183)، واللفظ له].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "... وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُ: رَبِّ، سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا، قَالَ: وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ». [صحيح مسلم (195)]. فالمرء لن يجري على الصراط بحوله وقوته واختياره، وإنما يجري به عمله.
وفي هذا الموقف العصيب الذي لا يعرف الناسُ فيه بعضُهم بعضا، ولا يتكلم فيه أحد إلا الأنبياء، ومن سواهم لا يتكلم، وأول من يجتاز هذا الصراط هذه الأمة إكرامًا لها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى». [صحيح مسلم (182)]
«فتفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك وثقل ظهرك بالأوزار" [التذكرة (ص757)]
«فتوهم نفسك يا أخي إذا صرت على الصراط ونظرت إلى جهنم تحتك سوداء مظلمة قد لظى سعيرها وعلا لهيبها وأنت تمشي أحياناً وتزحف أخرى، قال:
أبت نفسي تتوب فما احتيالي … إذا برز العباد لذي الجلال
وقاموا من قبورهم سكارى … بأوزار كأمثال الجبال
وقد نصب الصراط لكي يجوزوا … فمنهم من يكب على الشمال
ومنهم من يسير لدار عدن … تلقاه العرائس بالغوالي
يقول له المهمين يا وليي … غفرت لك الذنوب فلا تبالي [التذكرة (ص753)].
أسال الله العظيم رب العرش العظيم، أن ينجينا جميعا من كُرب يوم القيامة عامة، ومن كَرب الصراط خاصة، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولا تنس الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم العظيم، وتذكر قوله ﷺ: إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد.