حين تشتدُّ الظُّلُمات، وتتزاحمُ الهموم على صدرِ المؤمن، لا يجد ملاذًا أرحمَ ولا بابًا أوسعَ من بابِ ربِّه. هناك، حيث تُرفَعُ الأكفُّ خاشعةً، وتُذرفُ الدموعُ صادقةً، يجد القلبُ راحته، والرُّوحُ سكينتَها، والنَّفسُ طمأنينتَها.
والله تعالى جعل في الدعاء ملاذًا آمنًا، وملجأً رحيمًا، ومفتاحًا للفرج. وما أجمل أن نتعلّم من القرآن الكريم والسنة النبوية أدعية تفريج الكرب والحزن، لنكون أقرب إلى الله في لحظات الضيق، وأصدق في التوكل عليه في ساعات الشدة.
تفريج الكرب: أي كشف الهمّ وإذهاب الغمّ ورفع الضّرر.»
[نضرة النعيم (4/ 1050)]
أثر الدعاءِ في تفريج الكرب
من كان في كرب، فليدعُ الله دعاء المضطر لـ تفريج الكرب فإنه لا يُردّ.
قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]
هذه الآية العظيمة تفتح باب الرجاء لكل قلب منكسر، وتعلّمنا أنّ تفريج الكرب لا يكون إلا باللجوء إلى الله وحده.
«واعلم أن المضطر هو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى التضرع إلى الله تعالى»
[تفسير الرازي (24/ 565)]
«ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد، المرجو عند النوازل.. ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾؛ أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه.»
[تفسير ابن كثير (5/ 684) بتصرف]
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
ولرُبَّ نازلة يضيق بها الفتى ذرعًا، وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت، وكان يظنها لا تفرجُ
لقد جعلَ اللهُ الدعاءَ سلاحَ المؤمن في تفريج الكرب والغم، وملجأهُ عند المصائب، فما من كربٍ إلا ودواؤهُ في دعاءٍ صادقٍ. وكان النبي ﷺ يعلِّمُ أصحابَهُ أدعيةَ تفريج الكرب والهم، ليكون المؤمن دائمَ الصلةِ بربّهِ في الشِّدَّة والرَّخاء.
أدعية تفريج الكرب من السنة النبوية
🌿 وفيما يلي طائفةً من أدعيةِ نبيِّنا ﷺ التي علَّمها لأمته لـ تفريج الكرب وسببًا لزوال الهموم وقضاء الحاجات بإذن الله تعالى، فهي من أنفع ما يرقق القلب ويُقرّب العبدَ من ربّه جلّ في علاه، ويفرج الهم.
دعاء لم يدع به مسلم في شيء إلا استجاب الله له
الدعاء الذي نادى به نبي الله يونس عليه السلام وهو في ظلمات البحر وبطن الحوت:
«لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»
📖عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.»
[(صحيح) سنن الترمذي (3505)]
فلنردد هذا الدعاء لـ تفريج الكرب في سجودنا، وفي خلواتنا، وفي ساعات الشدة والرخاء، لعل الله أن يجعل لنا به فرجًا عاجلًا ورحمة واسعة.
قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾ [الأنبياء: 87-88]
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: «{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} أي الشدة التي وقع فيها
{وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم أن الله تعالى سينجيه منها ويكشف عنه ويخفف لإيمانه كما فعل بـ " يونس " عليه السلام»
[تفسير السعدي (ص530)]
قال الضحاك بن قيس: اذكروا اللَّه في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس كان عبدا صالحا ذاكرا للَّه فلما وقع في بطن الحوت قال اللَّه: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143 - 144]، وإن فرعون كان عبدا طاغيا ناسيا لذكر اللَّه فلما أدركه الغرق: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 90 - 91].»
[مصنف ابن أبي شيبة (37521) ت الشثري وقال صحيح]
دعاء عظيم لتفريج الكرب (دعاء الكرب)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.
📚 [صحيح البخاري (6346) ومسلم (2730)]
«وفي رواية لمسلم: أن النبي ﷺ كان إذا حَزَبَه أمرٌ قال ذلك.
قوله: "حزبهُ أمرٌ" أي: نزل به أمر مهم، أو أصابه غمّ.»
[الأذكار للنووي ط ابن حزم (ص232)]
هذا الدعاء يجمع بين التوحيد والتعظيم والتفويض، وهو من أعظم ما يُقال عند الشدائد، ويغرس في القلب يقينًا بأنَّ الفرجَ بيدِ الله وحده.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: «وهو حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة.
قال الطبري كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب.
فإن قيل هذا ذكر وليس فيه دعاء، فجوابه من وجهين مشهورين.
أحدهما أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء.
والثاني جواب سفيان بن عيينة فقال أما علمت قوله تعالى من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وقال الشاعر … إذا أثنى عليك المرء يوما … كفاه من تعرضه الثناء»
[شرح النووي على مسلم (17/47: 48)]
«ويؤيد الأول رواية أبي عوانة فإنه زاد في مسنده الصحيح ثم يدعو بعد ذلك»
[تحفة الأحوذي (9/ 278)]
دعاءٌ عظيمٌ لـ تفريج الكرب يَرفعُ الهمَّ ويُذهبُ الحَزَن
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.
[صحيح البخاري (6369)]
من جوامع الدعاء التي كان يقولها رسول الله ﷺ عند الكرب:
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ «اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
[(حسن) سنن أبي داود (5090)]
فهو دعاءُ الملهوف، ونداءُ العبد الضعيف الذي يعلم أنَّ النجاة في لُجوئه إلى مولاه لـ تفريج الكرب والهم.
دعاءُ تفريج الكرب الذي علَّمه النبيُّ لعليٍّ رضي الله عنه
عن علي بن أبي طَالب قال: علمني رسول الله ﷺ إذا نزل بي كَرْب أن أقول: لا إله إلا الله الحليمُ الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين.»
[مسند أحمد (701 ت أحمد شاكر) وقال إسناده صحيح.]
دعاءُ تفريج الكرب الذي علَّمه النبيُّ ﷺ لأسماءَ بنتِ عُميسٍ
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ: "اللهُ اللهُ رَبِّي لَا أُشرِكُ بِهِ شَيْئًا»
[(صحيح) سنن أبي داود (1525) وسنن ابن ماجه (3882)]
🌼 خاتمة
إنّ الدعاء هو سلاح المؤمن، وهو مفتاح الفرج، وهو البلسم الذي يداوي الجراح. اجعلوا هذه الأدعية زادًا لكم في الطريق، ورفيقًا لكم في المحن، وكونوا من الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: "إنا لله وإنا إليه راجعون".
فإذا نزل بك البلاء، فافتح يديك إلى السماء، وردِّد بيقين:
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
وانشر هذه الفائدة لتكون سببًا في تفريج كربِ غيرك، فـ «من فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة» (رواه مسلم 2699).
وختامًا
📢 شارك هذه الفائدة مع من تحب، علّها تكون سببًا في تفريج كرب مسلم، وسببًا في نيلك للأجر العظيم.
💬 اكتب لنا تجربتك مع أدعية تفريج الكرب، وانشرها لعلّها تلامس قلبًا منكسرًا.
ونكمل وسائل تفريج الكرب في الفائدة التالية بإذن الله تعالى.
«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هل انتفعت بالفائدة
______
للاستزادة
شارك هذا المقال
share facebook
share whatsApp
share twitter
share telegram
copy
