علَّمَتنا الهجرة النبوية

إن التشابُكَ بين الماضي والحاضر، واستيعاب دروس الماضي والاستفادة منها وإدراكها إدراكًا واعيًا، وتحديد مكانة الماضي في الحاضر؛ ضروريٌّ للانطلاق نحو المستقبل ولمعرفة الطريق القويم ولمعرفة كيفية التعامل مع كل حديث وجديد؛ وبغير ذلك تعجز الأمَّة عن دخول الواقع بأبعاده.

ولقد حَوَت الهجرةُ النبويةُ المباركةُ دروسًا وعِبَرًا كثيرةً؛ من أبرزها:

1- التوكل على الله: وهو الاعتماد على الله اعتمادًا قلبيًّا جازمًا؛ وقد تجلَّى ذلك في قول النبي ﷺ لأبي بكر -رضي الله عنه- وهما في الغار: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، وقال له ﷺ أيضًا: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» [رواه البخاري (3653)، ومسلم (2381)].

2- أهمية التخطيط والأخذ بالأسباب: فإن مَن تأمَّل الهجرة النبوية ورأى التخطيط فيها ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها؛ فَسَيُدرك أن التخطيط والأخذ بالأسباب جزءان من السُّنة النبوية بل جزءان من التوكل على الله بل جزءان من التكليف الإلهي في كل ما طُولِبَ به المسلم.

3- أهمية دور المرأة: تجلَّى ذلك في عدة مواقف لعدة نساء؛ ولعل من أبرزها مُثابَرة ومُصابَرة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- كي تقوم بإيصال التموين الغذائي للنبي ﷺ وأبيها وهما الغار. وكذلك تعرُّضها للضرب من قِبَل أبي جهل -لعنه الله- عندما طَرَق باب بيتها باحثًا عن أبيها وسألها: أين أبوكِ يا بنت أبي بكر؟ فقالت: لا أدري، فرفع الملعون يده ولَطَمَها على وجهها لطمةً شديدةً أسقَطَت القُرطَ منها (القُرط: هو ما تعلِّقه المرأة في أذنها تتزين به).

4- أهمية الصداقة الصادقة: وتجلَّى ذلك في صِدق الصِّدِّيق أبي بكر -رضي الله عنه- في مواقفه النبيلة المُخلِصة مع النبي ﷺ من بداية الهجرة إلى نهايتها.

5- الاستعانة بخبرات الآخرين من أهل الثقة حتى ولو كانوا غير مسلمين: حيث سَلَكَ النبي ﷺ طريقًا في الصحراء غير مألوف -من باب الاحتياط وحُسن التخطيط-، واستعان في ذلك بخبيرٍ يَعرِف مسالك الصحراء وخباياها، هذا الخبير هو "عبد الله بن أُرَيْقِط" وكان حينها كافرًا لكنه كان رجلًا نبيلًا رَزينًا كاتمًا للسِّرِّ وفيًّا بالعهد.

شارك معنا بالتعليق، واكتب ما تراه مُستفادًا أيضًا من الهجرة النبوية