مدونة المصلي >> تعليمي

العقوق المعكوس!

العقوق المعكوس!
2022‏/10‏/03
36٬070

بالرغم من أن عقوق الوالدين للأبناء هو العقوق الأول (السابق)، ويكون -غالبًا- هو السبب في العقوق الثاني (اللاحق)؛ فإنه غير مشهور، وعادةً لا يكون محلًّا للحديث في الأوساط الدينية والاجتماعية، مع أنه هو الأَوْلى بالاهتمام لأنه يُشكِّل اللَّبِنَةَ الأُولى للبُعد النفسي والتربوي عند الأبناء، إضافةً إلى أن الوالدين هما الأكثر نُضجًا وعقلًا وحكمةً من ذاك الطفل الصغير الذي لا يزال في مراحله الأُولى من النمو والنضج؛ ولذلك فإن اللَّوم الأول والأعظم يُوجَّه للوالدين إذا قصَّرا في البِرِّ بأبنائهم لأنهما المُكلَّفان بالبِرِّ ابتداءً.

صور عقوق الوالدين للأبناء:

1- سوء اختيار أسمائهم، وسوء اختيار الزوج أو الزوجة (الأب والأم)، والإهمال في تعليمهم القرآن أو أحكام الدين الأساسية عمومًا: وفي ذلك قصة مشهورة عن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما جاء إليه رجلٌ يشكو إليه عقوقَ ابنه؛ فأحضَرَ سيدُنا عمرُ ابنَه وأنَّبَه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للوَلَد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن يَنتقي أُمَّه، ويُحسِن اسمه، ويُعلِّمه القرآن، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، إنه لم يفعل شيئًا من ذلك؛ أمَّا أُمِّي فكانت جاريةً لمجوسي، وأمَّا اسمي فهو "جُعَل" (حيوان كالخنفساء)، وأمَّا القرآن فلم يُعلِّمني منه حرفًا واحدًا! فالتفَتَ أميرُ المؤمنين إلى الرجل وقال له: أجئتَ إليَّ تشكو عقوق ابنك وقد عَقَقْتَه قبل أن يَعُقَّك، وأسأتَ إليه قبل أن يُسيءَ إليك؟!

2- الإهمال في التربية: والعجيب أن غالب الآباء والأمهات لا يعلمون أن إهمالهم في تربية أبنائهم يُعَدُّ كبيرةً من الكبائر، وأنه سبب للوعيد بالعذاب يوم القيامة؛ حيث قال رسول الله ﷺ: «مَا مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ؛ إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ» [البخاري (7150)]، وقال ﷺ: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيتِهِ» [البخاري (2554)، مسلم (1829)]، وقال ﷺ: ‌«كَفَى ‌بِالْمَرْءِ ‌إِثْمًا ‌أَنْ ‌يُضَيِّعَ ‌مَنْ ‌يَعُولُ» [المستدرك على الصحيحين (8526)]. والأحاديث ظاهرة كالشمس في أن الإهمال في تربية الأبناء وظُلمهم وعدم القيام بحقهم؛ هو سبيل محتوم إلى العذاب يوم القيامة -والعياذ بالله-.

3- العُنف اللفظي والجسدي، والاستبداد في الرأي، والتضييق عليهم في المباحات: فقد نجد رجلًا بلغ الأربعين ولا يزال والداه يتحكَّمان في تصرفاته، ويفرضان رأيهما عليه، ويحاصرانه في حركاته وسكناته كأنه ابن ثلاث سنين! وقد أثبتت دراسات كثيرة أن البالغين الذين عانوا من عُنف لفظي وجسدي في طفولتهم لديهم قصور في: التخطيط الجيد، وصنع القرارات، والتعبير، والسلوك الاجتماعي.

4- إهمالهم، وعدم الاستماع إليهم، وعدم الاهتمام بمشاكلهم: ولا شك أن هذا الإهمال يؤدي إلى نفور الأبناء من الوالدين، ويؤدي أيضًا إلى انحرافهم بسبب غياب الإشباع العاطفي والنفسي من قِبَل الوالدين.

5- غياب العدل بينهم: والمقصود هنا هو العدل الظاهري وليس العدل القلبي؛ إذ إنه من المحتمَل أن يحب الوالدان ابنًا أكثر من آخر، وهذا لا يؤاخَذ عليه الإنسان لأن القلوب بِيَد الرحمن سبحانه. ولنا في قصة يعقوب وابنه يوسف -عليهما السلام- عبرة؛ إذ إنه لمَّا ظهر لإخوة يوسف من محبة يعقوب الشديدة ليوسف وعدم صبره على غيابه وانشغاله به عنهم؛ سَعَوْا في أمرٍ وخيمٍ، وهو التفريق بينه وبين أبيه؛ فقالوا: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف:9]؛ وهذا صريحٌ جدًّا أن السبب الذي حَمَلهم على ما فعلوا بيوسف من التفريق بينه وبين أبيه هو تميُّزه بالمحبة.

وأخيرًا: إن أبناءنا هم ثمارُ قلوبنا، وعمادُ ظهورنا، ونحن لهم أرضٌ ذليلة، وسماءٌ ظليلة، فكُن قدوةً حسنةً لأبنائك، وأعطهم من حُبك واهتمامك وحنانك، ولا تكن عليهم ثقيلًا فيملُّوا حياتك ويتمنوا وفاتك، ولا تكن عونًا لهم على العقوق إذ إن من الآباء والأمهات مَن يدفعون أبناءهم إلى العقوق دفعًا؛ وقد جاء في الحديث الشريف: «‌أَعِينُوا ‌أَوْلَادَكُمْ ‌عَلَى ‌الْبِرِّ؛ مَنْ شَاءَ اسْتَخْرَجَ الْعُقُوقَ لِوَلَدِهِ» [رواه الطبراني (4076)].

 

شارك تلك الفائدة مع أحبابك؛ فإن الدال على الخير كفاعله

مقالات متعلقة

2022‏/09‏/27
38٬659

حتى يطمئن قلبك!

مع كثرة مشاغل الحياة وتراكم المشاكل على الإنسان في يومه، ينشغل باله، وتتكدر نفسه، ويغتم قلبه، وإذا بأمر واحد إن فعله أزال الله عنه كل ما نزل به واطمئن قلبه! انقر هنا وتعرف عليه

2022‏/09‏/28
33٬587

وكُلَّ شيء أحصيناه كتابًا!

جميعنا يعتقد أن الله تعالى يعلم السِّرَّ وأخفى، وأن العبد سيقف أمامه يوم القيامة مشاهدًا كل ما فعل في دُنياه، وإن هذه المشاهدة لها مُحاكاة في هذه الدنيا التي نعيشها. انقر هنا لتتعرَّف على المزيد.

2022‏/10‏/02
38٬310

قولٌ من أكبر الكبائر!

إنه قولٌ يقع فيه كثير من الناس بشتَّى صُوَره بالرغم من أن النبي ﷺ شدَّد في التحذير منه، بل غيَّرَ وَضْعَ جلوسه ﷺ عندما تحدث عنه. انقر هنا لتتعرَّف على المزيد.

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2022 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة