العشر: في فضائل يوم عرفة

إن الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمرّ مرّ السحاب، وتنقضي كلمح البصر؛ فهي محطات تنقضي فيها الأعمار، وتُقدّر فيها الأعمال. وقد فضّل الله بعضها على بعض، فجعل فيها مواسم للخيرات، وأوقاتًا للطاعات، تُضاعف فيها الحسنات، وتُمحى بها السيئات. ومن أعظم هذه الأزمنة وأجلّها قدرًا، وأكثرها أجرًا:

يوم عرفة، الذي تواترت النصوص في بيان فضله منها.

1. يوم عرفة.. يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ‌إِنَّكُمْ ‌تَقْرَؤُونَ ‌آيَةً ‌فِي ‌كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ، لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنَّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ». [صحيح البخاري (4606) ومسلم (3017)] وأحمد (188) واللفظ له]

قال ابن كثير: «هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه». [تفسير ابن كثير (3/ 314)]

فهو يوم عظّمه الله شرعًا وقدَرًا، واختاره ليكون خاتمة نزول أعظم نعمة على البشرية.

 

2- يوم من الأشهر الحُرم

 قال الله – عز وجل –: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36] 

 والأشهر الحُرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.

ويومُ عرفة هو تاسع أيام ذي الحجة.

 

3. 🌿من الأيام المعلومات في أشهر الحج المعلومات

قال الله – عز وجل –: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]

وأشهر الحج هي: شوال، ذو القعدة، وذو الحجة.

ويوم عرفة أعظم أيام الحج، حيث يقف الحُجّاج في عرفات، وهو الركن الأعظم لهذا النسك، وهو من الأيام التي جعلها الله محلاً لذكره وتعظيمه وشهود المنافع.

قال الله – سبحانه –: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28] 

«عن ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات: أيام العشر». [تفسير ابن كثير (5/ 403)]

 

4. 🕊️ فرصة لمغفرة عامين!

عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله ﷺ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». [صحيح مسلم (1162)]

وهذا الفضل خاص بغير الحُجّاج، أما الحاج فلا يُسن له الصيام؛ لأنه يوم تعب ووقوف وابتهال.

عَنْ بَعْضِ، أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‌ يَصُومُ ‌تِسْعَ ‌ذِي ‌الْحِجَّةِ، ‌وَيَوْمَ ‌عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. [(صحيح) سنن أبي داود (2437)]

 

5. 💧الله يُباهي بأهل عرفة أهل السماء

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنَّ اللَّهَ ‌يُبَاهِي ‌بِأَهْلِ ‌عَرَفَاتٍ ‌أَهْلَ ‌السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا». [(صحيح) صحيح ابن خزيمة (2839)، وفي صحيح الجامع (1867)]

تأمل! الملائكة المكرمون يشهدون ذلك الموقف، فيباهي الله بعباده المؤمنين، فما أعظمه من شرف!

 

6. 🎁يوم العيد لأهل الموقف

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «‌يَوْمُ ‌عَرَفَةَ، ‌وَيَوْمُ ‌النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». [(صحيح) سنن أبي داود (2419) والترمذي (783) والنسائي (3004)]

فهو عيدٌ خاصٌ لمن وقف بعرفة، يحرم عليه الصيام، ويشرع فيه الذكر والدعاء والتفرغ للعبادة.

 

7. 🙌 خير الدعاء وأفضله

يُسنُّ في يوم عرفة الإكثار من الدُّعاء، وإظهار الحاجة والافتقار إلى الله تعالى، فهل  لديك آمال وحاجات تحب أن يقضيها الله لك وهموم ترجو كشفها؟ ها قد حان الموعد! عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ﷺ قال: ‌خَيْرُ ‌الدُّعَاءِ ‌دُعَاءُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [(حسن) سنن الترمذي (3585)]

وكان حكيم بن حزام رضي الله عنه يقيم عشية عرفة مائة بدنة ومائة رقبة فيعتق الرقاب عشية عرفة وينحر البدن يوم النحر وكان يطوف بالبيت ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم الرب ونعم الإله أحبه وأخشاه». [ثمرات الأوراق (2/ 205)ٍ]

فأكثروا من الدعاء في هذا اليوم؛ فإنه موطن استجابة وتفيض فيه الرحمة.

 

8- أحد الأيام العشرة المفضلة في الأعمال

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عز وجل ‌وَلَا ‌أَعْظَمَ ‌أَجْرًا ‌مِنْ ‌خَيْرٍ ‌يَعْمَلُهُ ‌فِي ‌عَشْرِ ‌الْأَضْحَى». قِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ". [(حسن) مسند الدارمي ت حسين أسد وقال إسناده صحيح (1815)]

فدل الحديث على أن العمل الصالح في أيام العشر، أعظم عند الله من الجهاد، إلا في حالة واحدة نادرة.

 

9. أكثر يوم يُعتق فيه من النار

عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ». [مسلم 1348]

إنه «يوم العتق من النار، فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم... فإذا كمل يوم عرفة وأعتق الله عباده المؤمنين من النار، اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك، وشرع للجميع التقرب إليه بالنسك، وهو إراقة دماء الهدي والأضاحي. [لطائف المعارف 482]

 

10. ركن الحج الأعظم

         قال النبي ﷺ: ‌الْحَجُّ ‌عَرَفَةُ.

 فمن لم يدرك الوقوف بعرفة، فلا حج له، وهذا يبيّن مكانة هذا اليوم في النسك الأعظم الذي جعله الله أحد أركان الإسلام.

 

🕊️ نسأل الله أن يُعيننا وإياكم على اغتنامه، وأن يُبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأن يجعله شاهدًا لنا لا علينا، وأن يعتق رقابنا فيه من النار، ويجعلنا من المقبولين الفائزين.

📌 انشر الفائدة، فالدال على الخير كفاعله.

📿 اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

🕊️سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.