
الدعاء يوم عرفة: من أعظم القُربات في أعظم الأوقات
يوم عرفة يومٌ من أعظم أيام الله، فيه يتجلى الرب سبحانه وتعالى لعباده، ويباهي بهم ملائكته، ويغفر ذنوبهم، ويعتق رقابهم من النار، وما رؤي الشيطان فيه أحقر من ذلك اليوم. وقد اتفقت نصوص الشريعة على تعظيم هذا اليوم، والدعوة إلى استغلاله بما يقرب إلى الله من العبادات، وعلى رأسها الدعاء والذكر، إذ هما من أجلِّ القربات، وأعظم ما يُتقرب به إلى الله في هذا اليوم المشهود.
وإذا أردت الفوز في هذا اليوم، فاعلم أن أعظم ما يُتقرب به فيه هو الدعاء.
ولك أن تتأمل:
1. خير الدعاء دعاء يوم عرفة:
يُسنُّ في يوم عرفة الإكثار من الدُّعاء، وإظهار الحاجة والافتقار إلى الله تعالى؛ وأن يدعو المسلم في الأزمنة الشَّريفة، وممَّا جاء في فضله:
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». [(حسن) سنن الترمذي (3585)]
وفي رواية: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.». [(حسن) موطأ مالك [صحيح الجامع (1102)]
وكثرة الدعاء في عرفة والإلحاح به والابتهال والتضرع هو السنة عموما.
قال أسامةُ بنُ زيد: كنتُ رِدْفَ النبيِّ ﷺ بعرفات، فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فمَالَتْ به ناقته، فسقَطَ خِطامُها، فتناولَ الخِطامَ بإحدى يَدَيْهِ وهو رافعٌ يدَه الأخرى.». [(صحيح الإسناد). سنن النسائي (3011)]
وهذا الفضل عامٌّ لجميع النَّاس؛ سواءً أكان حاجًّا أو غير حاجٍّ.
✦ الدعاء من غير الحاج: هل له نفس الفضل؟
نعم، بل ثبت عن السلف أنهم كانوا يترقبون يوم عرفة كما يترقبون ليلة القدر!
قال ابن عبد البر: «دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب» [التمهيد (6/ 41)]
🔸 إذا كان الحاج واقفًا بين يدي الله في عرفات، يدعوه من قلبه، فغير الحاج له نصيبٌ من هذا الخير، لا سيما بالصيام والدعاء والذكر.
ولذا ينبغي لكل مسلم عاقل أن يجتهد فيه فيكثر من الدعاء ويسأل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة.
وللصائم دعوة مستجابة، فتكون دعوتك بإذن الله تعالى مستجابة طوال صومك يوم عرفة وحتى إفطارك بإذن الله.
فإذا أردت الفوز في هذا اليوم، فاعلم أن أعظم ما يُتقرب به فيه هو الدعاء.
يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار:
عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟». [مسلم 1348]
اجعل هذا اليوم مختلفًا. وعليك بالدعاء والافتقار والانكسار وارفع أكف الضراعة، وابكِ بين يديه، إلى أن تغرب الشمس، واستكثر من الصلاة على النبي ﷺ.
«رئي فضيل بن عياض عشية عرفة واضعا يده تحت خده قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما غابت الشمس وأفاض الناس قبض بيده على لحيته ورفع رأسه إلى السماء فقال واسوأتاه وإن غفرت». [ينظر المدخل لابن الحاج (4/ 229)، تاريخ دمشق لابن عساكر (52/ 170)]
كيفية اغتنام يوم عرفة بالدعاء
1. التهيئة القلبية:
ابدأ يومك بتجديد النية، والتوبة النصوح، واستشعار عظمة اليوم، واعقد العزم على أن يكون يومًا مميزًا بينك وبين ربك، يومًا تصفو فيه روحك وتعلو همتك.
2. إعداد قائمة أدعية:
من المفيد قبل دخول يوم عرفة أن تكتب أدعيتك مسبقًا حسب الأولويات حتى لا تنشغل بالتفكير عند الدعاء:
3- اجعل دعاءك في هذا اليوم شاملًا:
1. الثناء على الله: كبِّره، مجّده، احمده، وابدأ به دعاءك.
2. الصلاة على النبي ﷺ: فهي مفتاح الإجابة.
3. دعاء لنفسك بالهداية والثبات والمغفرة والعتق من النار.
4. الدعاء للوالدين، والأهل، والذرية، والمسلمين ولأصدقائك وكل من أوصاك.
5. دعاء الحاجات: لا تستحقر شيئًا، اطلب كل ما تتمناه.
6. دعاء الآخرة: الجنة، والثبات، وحسن الخاتمة، والنظر إلى وجهه الكريم.
اغتنام الساعات الفاضلة:
من بعد الزوال إلى غروب الشمس هو الوقت الأعظم للدعاء، وفيه كان النبي ﷺ يكثر من الدعاء والذكر وهو واقف بعرفة.
أدعية مأثورة ونماذج نافعة
من الأدعية المأثورة الجامعة والطيّبة:
التي ينبغي على المسلم أن يحرص على الإكثار منها في يوم عرفة، ما يأتي:
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ، وَبِكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». [صحيح البخاري (7442)]
«اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا». [مسند أحمد (25137
«اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.». [صحيح البخاري (6306)]
اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَسْمَعُ كَلَامِي، وَتَرَى مَكَانِي، وَتَعْلَمُ سَرِيرَتِي وَعَلَانِيَتِي، لَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، وَأَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ، الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ، الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ، الْمُقِرُّ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وَفَاضَتْ لَكَ عَبْرَتُهُ، وَذَلَّ لَكَ جِسْمُهُ، وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي بِدُعَائِكَ شَقِيًّا، وَكُنْ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْؤُلِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ».. [المختارة (11/ 235)]
ويدعو للميت في يوم عرفة
(اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ).
(اللَّهُمَّ اغفِر لحيِّنا وميِّتِنا وصغيرِنا وَكبيرِنا وذَكَرِنا وأنثانا وشاهدِنا وغائبِنا اللَّهُمَّ مَن أحييتَه منَّا فأحيِهِ علَى الإيمانِ ومَن تَوفَّيتَه مِنَّا فتوفَّهُ على الإسلامِ اللَّهُمَّ لا تحرِمنا أجرَه ولا تُضِلَّنا بعدَه).
ورد الدعاء من المصلي
وبحمد الله جمعنا لك صحيح الدعاء من الصحاح وجعلناه بالمصلي مقسم لخمسة أجزاء، التزمنا فيه هدي النبي ﷺ في الدعاء، حيث ابتدأنا كل ورد فيه بالثناء على الله عز وجل ثم بالصلاة على النبي ﷺ ثم الدعاء وأخيرًا ختمنا الدعاء بالصلاة على النبي ﷺ، فعن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أنه قال: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَجِلَ هَذَا»، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: - أَوْ لِغَيْرِهِ - «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» [(صحيح) سنن أبي داود (1481)]
وقال ﷺ عمن التزم بهذه الآداب: «ادْعُ تُجَبْ، وَسَلْ تُعْطَ». سنن النسائي (3/ 44).
فماذا تنتظر الآن، هذا هو سر الدعاء المستجاب بإذن الله، مع حضور القلب والخلو من موانع إجابة الدعاء، افتح الآن نافذة الدعاء وأكثر من دعاء النبي ﷺ من هنا: https://moslay.page.link/Doaa
فينبغي للمسلم أن يكثر في هذا اليوم المبارك من الدعاء والذكر، والاجتهاد في ذلك، وتكرار الدعاء بخشوع وحضور قلب.
وليكثر من الاستغفار، والتلفظ بالتوبة، والبكاء من خشية الله تعالى. فعلى صعيد عرفات، تسكب العبرات، وتقال العثرات، وترتجى الطلبات، وتضاعف الحسنات، وتمحى الذنوب والسيئات، وترفع الدرجات. والسنة أن يخفض صوته بالدعاء، ويتضرع إلى الله تعالى، ويدعو وهو موقن بالإجابة.
✦ الختام: لا تحرم غيرك من هذا الخير!
وشارك الفائدة مع أحبابك ودلهم على هذا الخير، وتذكر قول النبي ﷺ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». [صحيح مسلم (1893)]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.