يا من أثقلتكَ الهموم، وضاقت عليكَ الدنيا بما رحُبت، هل جرّبتَ أن ترفعَ يديكَ إلى السَّماء وتقول: يا رب؟
فضل الدعاء - يا فتى العلمِ الطامح، ويا شباب الخيرِ- يصلُ بك إلى رضوانِ الحقِّ. إنَّ الدعاءَ هو أنسبُ وسيلةٍ لطلب التوفيق والهداية والفرج.
فضل الدعاء يجلو الهمَّ، ويهيئ القلبَ للاعتماد على الله وحدَه، وهو مدرسةٌ تربويةٌ تربِّي النفس على الخشوعِ واليقين والافتقارِ إلى الله تعالى.
لا تجعل يومك يمرُّ دون أن ترفعَ يدك إلى الله بـ الدعاء وتطلبَ منه ما أردتَ من الخير في الدنيا والآخرة.
إنّ الدعاء عبادةٌ جليلةٌ تُعبِّر عن الافتقار، وتكشفُ عن صدق الإيمان، وتقرّبُ العبدَ إلى مولاه.
ألا ترى كيف كان الدعاء سلاح الأنبياء والصالحين؟ به انفلق البحر لموسى، وبه أنزلت المائدة على عيسى، وبه نصر نبينا ﷺ في بدر وهو يقول: «(اللَّهُمَّ! أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ! آتِ مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ! إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ.»
[صحيح مسلم (1763)]
فضل الدعاء: القُربُ من الداعي والوعد بالإجابة
لقد عظَّم اللهُ تعالى فضل الدعاء في كتابه، فجعله سِمةَ الأنبياء، وسلاحَ المؤمنين في الشدائد، وبابًا مفتوحًا لكل مَن أغلقتْ في وجهه الأبواب.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]
قال ابن كثيرٍ رحمه الله: «والمراد من هذا أنه تعالى لا يخيب دعاء داع، ولا يشغله عنه شيء، بل هو سميع الدعاء، ففيه ترغيب في الدعاء، وأنه لا يضيعه لديه تعالى»
[تفسير ابن كثير (2/ 64)]
هذه الآية وحدها تكفي لتسكب في القلب سكينةً لا تنقطع؛ إذ تُعلِمُ المؤمن أن بينه وبين ربّه صِلةً مباشرةً لا تحتاج إلى وسائط.
إنَّ الدعاءَ ليس قصّةً تُروى، بل طريقُ حياةٍ يُسلك، وسرُّ استقامةٍ واطمئنانٍ.
الدعاء: العبادة التي أمر الله بها ووعد بالإجابة
قبل أن يكون الدعاء طلبًا لحاجة، أو دفعًا لضر، هو في جوهره عبادة خالصة لله رب العالمين. بل هو من أعظم العبادات وأجلّها. ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، آمِرًا عباده بهذا الشرف العظيم:
قال ربُّنا الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]
فما أعظمَ هذا النداءَ الربّانيّ الذي يدعونا فيه خالقُ السماواتِ والأرضِ إلى بابه الكريم، ويَعِدُنا بالإجابة والعطاء.
إن الله جل وعلا يحب أن يسأل، بل يغضب على من يستكبر عن دعائه وسؤاله، وهذا من عجيب كرمه ولطفه.
تأمّل يا رعاك الله في هذه الآية العظيمة. لقد بدأها الله بالأمر المباشر {ادعوني}، ثم أتبعه بوعد قاطع لا شك فيه {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ثم ختمها بوعيد شديد لمن يترك هذه العبادة تكبّرًا وعلوًّا.
فسمى الله ترك الدعاء استكبارًا عن عبادته، وهل هناك ذنب أعظم من الاستكبار على ملك الملوك وجبار السماوات والأرض؟
الدعاء مدرسةُ التواضعِ والافتقارِ إلى الله
الدعاء يُطهّر القلب من الكِبر، ويعلّمه التواضع، ويفتح له باب الأنس بالله، وهذا هو أعظم أثرٍ تربويٍّ في حياة المسلم.
إنك حين ترفع يديك، وتتمتم بكلماتك، وتُظهر فقرك وحاجتك بين يدي مولاك، فأنت في تلك اللحظة تطبق أسمى معاني العبودية. أنت تعلن أنك عبد ضعيف، فقير، لا حول لك ولا قوة إلا بربك القوي الغني العزيز. وهذا الانكسار هو عين العزة، وهذا الافتقار هو قمة الغنى بالله.
ناجه بقلبك قبل لسانك. قل له: يا رب، عبدك الفقير ببابك، ليس لي سواك.
ناجِه بضعفك، يمدك بقوته. ناجِه بفقرك، يغمرك بغناه. ناجِه بانكسارك، يجبرك بلطفه.
الدعاء عبادةٌ ومفتاحُ كلِّ خير
عن النُعمانِ بن بَشِيرٍ، قال: سمِعْتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: الدُّعاءُ هُو العِبادَةُ ثمَّ قَرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
[(صحيح) سنن أبي داود (1479) والترمذي (2969)]
فانظر كيف جعل النبي ﷺ الدعاء لبَّ العبادة وروحها، لأنّ فيه إظهارَ الذلّ والعجزِ والافتقارِ، والانكسار بين يدي الله. وفيه الإقبالُ الخالصُ على اللهِ بغيرِ وساطةٍ من خلقه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ»
[(حسن) سنن الترمذي (3373) وابن ماجه (3827)]
فإذا كان الدعاء هو العبادة، فكيف نهجره؟ وكيف نغفل عنه؟ إن من يغفل عن فضل الدعاء فقد غفل عن لبّ العبادة وجوهرها.
فضل الدعاء: يا الله! ما أوسع كرمك وما ألطف حياءك
من فضل الدعاء ومكانته في الإسلام، ما جاءَ في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ»
[(حسن) سنن الترمذي (3370)]
وفي هذا الحديث بيانٌ أنّ الله يحبّ من عبده الإقبالَ عليه، وكثرةَ السؤال والضراعةِ، وأنَّ كرمَه سبحانه لا يَنْفَدُ، وجودَه لا يَحُدُّه حدّ.
إن الله سبحانه وتعالى كريم، يحب أن يُسأل، ويغضب إن لم يُسأل. وهو سبحانه يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين.
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ رَبَّكُمْ تبارك وتعالى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»
[(صحيح) سنن أبي داود (1488) والترمذي (3556) وابن ماجة (3865)]
يا الله! أي كرم هذا؟ وأي حياء إلهي يليق بجلاله وعظمته؟ ملك الملوك، الذي له خزائن السماوات والأرض، يستحيي من عبدٍ فقيرٍ أن يردَّ يديه خاليتين!
فكيف بعد هذا نسمح لليأس أن يتسلل إلى قلوبنا؟ وكيف يظن أحدٌ بربِّه غير الظن الحسن؟
إن المشكلة ليست في كرم المعطي، ولكن في همة السائل ويقينه.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله:
«فعلق العطايا بالدعاء تعليق الوعد والجزاء بالعمل المأمور به. وقال عمر بن الخطاب: إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه»
[مجموع الفتاوى (8/ 193)]
فإذا رأيتَ اللهَ قد ألهمَ قلبَك الدعاءَ، فاعلم أنَّه قد فتحَ لك بابَ الإجابةِ، واصدُقِ التوجُّهَ إليه، تكنْ من أهلِ العطاءِ والقَبول.
فضل الدعاء: مفزعُ المؤمنِ عندَ الشدائدِ وسببُ رفعِ البلاءِ
إن فضل الدعاء لا يقتصر على كونه عبادة محبوبة لله، بل هو سبب مباشر لدفع البلاء، ورفع المصائب.
من أعظم مظاهر فضل الدعاء أنّه يُفرِّج الكروبَ ويرفعُ البلاءَ.
قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ»
[سنن الترمذي (2326) وقال حسن صحيح غريب»]
فمن علِق قلبُه بالمخلوقين فقد أضاعَ طريقَ السماءِ، ومن لجأ إلى الله حقَّ اللجوء وجدَ عنده الفرجَ والعطاء.
ومن دعا غير الله تعالى فقد ظن بربه ظن السوء في ربوبيته وأسمائه وصفاته.
لا تَسأَلنَّ بني آدم حاجةً … وسلِ الذي أبوابه لا تحجبُ
اللَّه يغضبُ إن تركت سؤاله … وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضبُ
فالمؤمن حين يرفع حاجته إلى الله، إنما يُعلن يقينَه بأنَّ الفرجَ بيدِ الله وحده، وأنّ الأسبابَ لا تعمل إلا بإذنه.
وما أعظمَ هذا الفقهَ وما أعمقَ هذا الفهمَ!
فالمسألةُ ليست كلماتٍ تُتمتمُ بها الشفاه، بل حالةٌ قلبيةٌ من اليقينِ والرجاءِ يعيشُها المؤمنُ وهو يُناجي ربَّه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»
[(حسن) سنن الترمذي (3479)]
فالقلب الحاضر الموقن هو مفتاح باب الإجابة.
لا تيأس إن تأخّرت إجابة الدعاء، فربّك أرحم بك
ولكن، ماذا لو تأخرت الإجابة؟ هنا يمتحن صدق العبد وصبره. إن الإجابة لا تعني بالضرورة أن يعطى العبد ما سأله بعينه، بل هي أوسع من ذلك وأرحم.
قال النبي ﷺ: «مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ» [(حسن صحيح) سنن الترمذي (3573)]
فسبحان الله! لا يوجد دعاء يضيع. إما خير عاجل، أو شر مدفوع، أو أجر مدخر. فأي كرم هذا وأي فضل؟
يا شباب، الدعاء مفتاحُ توفيقِكَ ونجاحِكَ
أيها الشباب، إنَّ استجابة الدعاء ليست للمسنّين فقط، بل هي طريقُكَ إلى التوفيق، وسرّ نجاحك في الدنيا والآخرة.
كم من شابٍّ وُفِّقَ في علمه ودعوته وعبادته بدعوةٍ في جوف الليل، لا يسمعها أحدٌ إلا الله!
فعليك بالدعاء، فإنك لا تدري متى تُفتح لك أبواب السماء.
فادعُ اللهَ عند المذاكرة، وعند اختيار الطريق، وعند السجود، واثبتْ على الدعاء، فبه تتبدّل الأحوال.
ختام المسك: ادعُ بكل ما تريد... فباب ربّك لا يُغلق
لا تقل: ذنوبي كثيرة، فكيف يستجاب لي؟ فالذي دعوته هو الغفور الرحيم، ورحمته وسعت كل شيء.
ولا تقل: طلبي عظيم يستحيل تحقيقه! فالذي سألته لا يعجزه شيء. سله الفردوس الأعلى من الجنة، وسله حفظ القرآن، وسله علما نافعا، وسله زوجة صالحة، وسله قضاء دينك. سله كل شيء حتى ملح طعامك، فإن لم ييسره الله لم يتيسر.
قم في ظلمة الليل، وتوضأ وصل ركعتين، ثم ارفع يديك وبث شكواك إلى الذي يعلم السر وأخفى. ابك بين يديه، وتذلل له، وألح في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء.
وثق أن سهام دعائك لن تضل الطريق أبدا، بل ستخترق حجب السماء لتصل إلى الرب الكريم، ليقول لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
فلا تترك سلاحك، فإنك في زمن أحوج ما تكون فيه إلى الدعاء.
الله قريب... يُجيب دعوة الداعِ إذا دعاه
مدّ يديكَ إلى السماء.. اجعل من اليوم سنة لك أن تُناجي ربَّك في كلّ أمرٍ، صغيرٍ كان أو كبيرٍ، فـ الدعاء مفتاحُ الفرج، وسرُّ القوة، ومصدرُ الطمأنينة.
كلّما ضاقت عليكَ الأسبابُ، تذكّر أنّ الله قريبٌ يُجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دعاه.
فمن ألِفَ الدعاء لم يَضِق صدرُه، لأنّه كلّما أهمَّه أمرٌ رفعه إلى الله.
وقد جمعنا لك أدعيةً جامعةً من القرآن والسُّنّة في أورادٍ تُحيي القلب وتشرح الصدر 🌿
افتح الآن نافذة الدعاء، وأكثر من دعاء النبي ﷺ.
🔗 اضغط لتبدأ رحلتك مع الدعاء من هنا👇
وختامًا
شارك هذه الفائدة مع إخوانك، وكن سببًا في إحياء الهمم. ولا تنسَ أن تترك تعليقًا بدرسٍ استفدته، فالدالّ على الخير كفاعله.
«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هل انتفعت بالفائدة
______
للاستزادة








share facebook
share whatsApp
share twitter
share telegram
copy