حمل المصلي الآن
مدونة المصلي >> رمضان

ليلة القدر في رمضان

ليلة القدر في رمضان
2025‏/03‏/19
161٬946

ليلة القدر أفضل الليالي، والعمل الصالح فيها خير من العمل الصالح في ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، قال تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)﴾ [القدر: 3-5] وقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 3-4]

قال القرطبي: «أي تهبط من كل سماء، ومن سدرة المنتهى.. فينزلون إلى الأرض ويؤمنون على دعاء الناس، إلى وقت طلوع الفجر». [تفسير القرطبي (20/ 133)]، وتنزّلُ الملائكة والروح في ليلة القدر بالرحمة بأمر الله تعالى وبكل أمر قدره الله وقضاه في تلك السنة إلى القابلة.

{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. أي: أن ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها إلى طلوع الفجر. والليل (يبدأ من غروب الشمس وينتهي عند أذان الفجر)

مغفرة الذنوب لمن قامها إيمانًا واحتسابًا:

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.» [صحيح البخاري (1901)]. ومعنى إيمانًا: تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، ومعنى احتسابًا: طلبًا للأجر لا لقصد آخر؛ كالرياء والسمعة، وغيرهما.

إحياء ليلة القدر:

«كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» [صحيح البخاري (2024)، ومسلم (1174)] طالبًا ليلة القدر.

وإحياء هذه الليلة يكون بالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وغير ذلك من سائر الطاعات.

موعد ليلة القدر

اختلف العلماء في تحديد وقتها، والراجح أنها متنقلة:

في العشر الأواخر؛ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ).

وأرجاها في الليالي الوترية من العشر (ليالي 21، 23، 25، 27، 29)؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «‌تَحَرَّوْا ‌لَيْلَةَ ‌الْقَدْرِ ‌فِي ‌الْوِتْرِ، ‌مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.». [صحيح البخاري (2017)]

ومن المرجح أنها تتنقل بين الليالي الوترية، فقد وردت أحاديث تحددها في ليالي مختلفة، مما يدل على أنها ليست ثابتة في ليلة واحدة كل عام، ومن ذلك:

أنها وقعت ليلة إحدى وعشرين:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.». [صحيح البخاري (2027) واللفظ له ومسلم (1167)]

 ومما يدل على أنها وقعت ليلة ثلاث وعشرين:

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَانْصَرَفَ، وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ». [صحيح مسلم (1168)]

ومما يدل على أنها ليلة السابع والعشرين:

عَنْ زِرٍّ قَالَ: « سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ - وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ -: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ - يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي - وَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا ». [صحيح مسلم (762)]

ومما يدل على أنها آخر ليلة:

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «‌الْتَمِسُوا ‌لَيْلَةَ ‌الْقَدْرِ ‌فِي ‌آخِرِ ‌لَيْلَةٍ». [(صحيح) صحيح ابن خزيمة (2189)]

والسبب في اختيار هذا القول هو الجمع بين الأحاديث التي وردت في تحديدها في ليالٍ مختلفة من شهر رمضان عامة ومن العشر الأواخر خاصة، فلا طريق للجمع بين تلك الأحاديث إلا بالقول بأنها متنقلة. [الفقه الميسر (3/ 98)]

قال الحافظ ابن حجر: «‌وأرجحها ‌كلها ‌أنها ‌في ‌وتر ‌من ‌العشر ‌الأخير وأنها تنتقل كما يفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين.. وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين». وقال: «الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها». [فتح الباري لابن حجر (4/ 266)]

وهذه حكمة إلاهية فلو حددت لاجتهد الناس فيها وتركوا بقية الليالي، واستوى في ذلك المجتهد والكسول.

دعاء ليلة القدر:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ ‌تُحِبُّ ‌الْعَفْوَ ‌فَاعْفُ ‌عَنِّي» [سنن الترمذي (3513) وقال هذا حديث حسن صحيح]

علامات ليلة القدر:

ولليلة القدر علامات تُعرف بها، ومن هذه العلامات:

1- أنها ليلة مضيئة، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ بَلَجَةٌ، لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ، وَلا يُرْمَى فِيهَا بِنَجْمٍ. [(حسن) صحيح الجامع (5472)]

2- أن ليلتها معتدلة، لا حارة ولا باردة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: ((لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ، لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ، تُصْبِحُ الشَّمْسُ يَوْمَهَا حَمْرَاءَ ضَعِيفَةً)). [(صحيح) صحيح الجامع (5475)]

3- أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها. لحديث «‌أَنَّهَا ‌تَطْلُعُ ‌يَوْمَئِذٍ ‌لَا ‌شُعَاعَ ‌لَهَا». [صحيح مسلم (762)]

هل يشترط العلم بليلة القدر لنيل فضلها؟

لا يشترط لنيل فضلها العلم بها، بل يستحب التعبد لله -تعالى- في هذه العشر؛ حتى يحوز الفضيلة، فإن وافقها نال فضلها، وإن لم يعلم أنها ليلة القدر. وهذا هو الصحيح المفهوم من الأحاديث، والله أعلم. [الفقه الميسر (3/ 98)]

ليلة القدر فرصة عظيمة لمن أراد الفوز برضا الله ورحمته، والموفق من اجتهد فيها بالعبادة والدعاء. فلنحرص جميعًا على تحريها وإحيائها، ولنتذكر أن مشاركة هذه الفوائد مع الأهل والأصدقاء من أبواب نشر الخير والدعوة إلى الله. نسأل الله أن يرزقنا حسن القيام فيها وألا يحرمنا من خيرها أن يجعلنا من المقبولين. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بحث

الأكثر تداولاً

مقالات متعلقة

2025‏/03‏/10
62٬962

آداب ‌الدعاء في رمضان (1)

فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: ‌إِنَّا ‌سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ». شارك الخير

2025‏/03‏/12
56٬434

آداب ‌الدعاء في رمضان (2)

وأَسألُك مِمَا سَألَك بِه مُحمدٌ، وأَعوذُ بِك مِمَا تَعوذَ مِنه مُحمدٌ، ومَا قَضيتَ لِي مِن قَضاءٍ فَاجعل عَاقِبتَه رَشداً». شارك وانشر الفائدة

2025‏/03‏/16
43٬247

العشر الأواخر من رمضان

كان إذا دخل العشر الأواخر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر» أحيا ليله أي بالصلاة والذكر والدعاء، انشر تؤجر

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2025 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة

Powered by Madar Software