
إن انتشار فيروس كورونا بقوة خلال العام المنصرم في كل أنحاء العالم، جعل كثير من الناس يتعرفون على مثل هذه الفيروسات التي تنتشر عبر الهواء ومن خلال رذاذ الفم، وعلموا أن الميكروبات والبكتيريا والفيروسات تنتقل إلى الإنسان من خلال اللمس كذلك، فكانت وصايا منظمة الصحة العالمية، ووزارات الصحة في كل البلدان باتخاذ الوسائل الوقائية من خلال ارتداء قناع الوجه الذي يغطي الفم والأنف، وكذلك غسل اليدين جيدًا أكثر من عشرين ثانية.
وكذلك بينت الهيئات الصحية في كل أرجاء العالم أن أفضل وسيلة للحد من انتشار الفيروس هو عدم السعال والعطاس في الهواء، وإنما ينبغي أن يكون العطاس في المحارم (المناديل) الورقية أو القماشية، أو أن يقوم بتغطية وجهه بثوبه أو يده.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بهذا قبل أكثر من 1400 عام، حين علمنا آداب العطاس والسعال، فعن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه وغض بها صوته» سنن الترمذي (5/ 86)
وهذا الأدب النبوي من أقوى أنواع الوقاية من الأمراض وانتشارها، فضلاً عن أن ينضم إليها الوضوء خمس مرات على الأقل في اليوم والليلة مع ما فيه من غسل اليدين والاستنثار وغسل الوجه، كل هذه الأمور إذا حافظ عليها المسلم كان بفضل الله تعالى قد حصل وقاية عظيمة من الأمراض بإذن الله تعالى.
ولك أن تعلم أن هذا العطاس إنما هو خير، فلا ينبغي لنا أن ننفر ممن يعطس أو يسعل، بحجة أنه ربما يكون مصابًا أو ينقل إلينا العدوى، فطالما أنه التزم آداب النبي ﷺ في العطاس، فلن ينقل العدوى إلى غيره بإذن الله، إن كان مصابًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ». صحيح البخاري (6233).
(إن الله تعالى يحب العطاس) لأنه يحمد الله تعالى عنده، فإذا سمعه أي مسلم، كان حقًا عليه أن يشمته، وذلك بأن يقول له: «يرحمك الله».
ولأنَّه دليل الخلو عن التوسع في المطعم، كما يدل على خفة البدن، وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع.
(ويكره التثاؤب) لأنه يدل على امتلاء البدن وكثرة الأكل والتخليط فيه والتوسع في الأطعمة ونحوها، والتوسع فيها مذموم.
ولأن الأول يستدعي النشاط، والثاني عكسه فالمحبة والكراهة تنصرف على سببهما.
(ضحك منه الشيطان) من جوف المتثائب؛ لأنه قد وجد سبيلًا إلى الدخول إلى جوفه، فلذا أمر برده ما استطاع.
« شرح المشكاة للطيبي (10/ 3078).
التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 386).