
قيام الليل عبادة جليله وقربة عظيمة وشريعة ربانية وسنة نبوية وخصلة حميدة ومدرسة إيمانية وخلوة برب البرية. ومع كل هذه الخصال الحميدة والصفات المجيدة فإن هذه الشعيرة الجليلة قل الراغبون فيها وأصبحت عند كثير من الناس نسيا منسيا. فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وقت قيام الليل:
صلاة الليل تجوز في أيِّ وقت منْ بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر، ما دامت الصلاة بعد صلاة العشاء، ويستحبُّ تأخيرُها إلى الثلث الأخير من الليل.
قال أنس رضي الله عنه في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ». [صحيح البخاري (1141)]
قال الحافظ: «إن صلاته ونومه كان يختلف بالليل، ولا يرتب وقتا معينا، بل بحسب ما تيسر له القيام». [فتح الباري لابن حجر (3/ 23 ط السلفية)]
أفضل أوقاتها الثلث الأخير من الليل.
«يستحب قيام الليل في الثلث الأخير من الليل، ليتعرض لنفحات الله تعالى العظيمة في تلك الساعات التي لا يستيقظ فيها لعبادة ربه إلا القليل من الناس فيظفروا بإجابة الدعوة وقبول التوبة ومغفرة الذنوب، وستر العيوب». [صحيح فقه السنة وأدلته (1/ 400)]
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». [صحيح البخاري (1145) ومسلم (758)]، ما أسعد نلك اللحظات، كأن الدنيا كلها تستعد وتتزين لنزول رب العزة سبحانه وتعالى إلى سمائنا الدنيا في الثلث الأخير من الليل، فلا تضيع على نفسك هذه اللذة، ولا تلك المتعة. هيا إلى مناجاة الله عز وجل، ودعائه في السَّحَر؛ ليقابلنا بالإجابة والغفران، هيا لاستقبال مولانا بصالح أعمالنا، هلموا للاستغفار والتوبة.
2 - وعن عمرو بن عَنبَسَةَ قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أقْرَبُ مَا يكُونُ الرَّبُّ من الْعَبْدِ في جَوْفِ الليْلِ الآخرِ، فإنِ اسْتَطعْتَ أنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ في تِلْكَ السَّاعةِ، فَكُنْ"». [سنن الترمذي (3896) وقال: حسن صحيح.]
3- وعن عبد الله بن عمرو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ صَلَاةُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ.». [صحيح البخاري (3420) وصحيح مسلم (1159)] أحبّ أوقات القيام للصلاة وقت صلاة داود لما جاء في الحديث «وأحبّ القيام قيام داود» (كان ينام نصف الليل) ليستريح البدن من تعب أعمال النهار (ويقوم ثلثه): وهو الوقت الذي يتجلى فيه الربّ سبحانه ويقول: «هل من سائل هل من مستغفر» (وينام سدسه)، ونومه ليستريح من نصب القيام. [دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 401) / 402)]
4- عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَيْفَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ، وَيَقُومُ آخِرَهُ، فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ». [صحيح البخاري (1146)]
وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك.