
كان الصحابة رضوان الله عليهم يحبون النبي صلى الله عليه وسلم حباً جماً، ويعظمونه تعظيماً كبيراً، قلَّ نظيرهما وندر وجودهما، حتى شَهِد لهم بذلك الأعداء قبل الأولياء، ولقد عَبَّروا رضوان الله عليهم عن هذا الحب العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم بأشكال مختلفة وصور متنوعة.
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقدم عليكم قوم هم أرق أفئدة"، قال: فقدم الأشعريون وفيهم أبو موسى قال: فجعلوا يرتجزون ويقولون:
غدا نلقى الأحبة … محمدا وحزبه" [صحيح: المسند (12872)، وأبو داود (5213)].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ.». [صحيح مسلم (2832)]
في يوم أحد "ترس أبو دجانة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره، والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرك، وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص: ارم فداك أبى وأمي.
وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعينه على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكانت أصح عينيه وأحسنهما. [جوامع السيرة (ص128) بتصرف]
وهذا سعد بن الربيع رضي الله عنه في آخر لحظات عمره وقد أثقلت جسده الجراح يوم أحد، وهو لا يسأل إلا عن رسول الله، ويُحَمِّل أخوته الأنصار المسؤولية أمام الله إن وصل الكفار إليه.
ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، وقد ظهرت له نوادر الحب والتفاني من المؤمنات الصادقات، كما ظهرت من المؤمنين في أثناء المعركة.
مر بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها بأحد، فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت:
أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير إليها، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل- تريد صغيرة.
وجاءت إليه أم سعد بن معاذ تعدو، وسعد آخذ بلجام فرسه، فقال: يا رسول الله أمي، فقال: مرحبا بها. ووقف لها. فلما دنت عزاها بابنها عمرو بن معاذ. فقالت: أما إذا رأيتك سالما، فقد اشتويت المصيبة أي: استقللتها. ثم دعا لأهل من قتل بأحد وقال: يا أم سعد أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفعوا في أهلهم جميعا. قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله، ادع لمن خلفوا منهم، فقال: «اللهم اذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا». [الرحيق المختوم (256: 257]
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نسجل فخرنا واعتزازنا أن جعلنا الله تبارك وتعالى عباداً له مسلمين، وجعلنا من أتباع سيد الأنبياء والمرسلين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم على عبدك ورسولك الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه وسلِّم. انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك.