مدونة المصلي >> أخرى

هل حقًا أن بريطانيا كان يحكمها حاكم مسلم؟!

هل حقًا أن بريطانيا كان يحكمها حاكم مسلم؟!
2019‏/06‏/23
36٬253

إنها قصة رجل صنع لبلاده مالم يصنعه غيره، وحقق لها من الترابط والتقدم ما يجعله متفرداً بين كل من سبقوه أو جاءوا بعده، ولكن تمكن الحقد الأسود من دفن تاريخه مع رفاته، ولولا الوقائع المتناثرة ما علمنا عن تاريخ هذه الرجل شيئاً؛ إنه أوفا ملك مرسيا الأنجلو ساكسوني، الذي يعد من أعظم ملوك أوروبا وأكثرهم شهرة وغموضاً في العصور الوسطي.

لقد استطاع الملك أوفا علي امتداد عصره الذي بلغ تسعة وثلاثين عاماً ( 757 – 796 م ) أن يخرج مملكته مرسيا من عزلتها، وبعد جهود مضنية بذلها في شتي الميادين العسكرية والدبلوماسية نجح في توحيد الممالك الأنجلوساكسونية تحت زعامته، ولأول مرة في التاريخ تتحد هذه الممالك تحت راية واحدة وبلغت في عصره مكانة سامية، تمتعت فيها بالثروة والأمن بفضل مشروعاته الاقتصادية والعمرانية وبفضل تشريعاته العادلة، فاستحق عن جدارة لقبي ( ملك إنجلترا )، (ملك كل بلاد الإنجليز )، فوسع بذلك دائرة نفوذه حتى شمل كل أجزاء إنجلترا تقريبًا، كما أنه ترك بصماته القوية علي مجريات أمور السياسة الأوروبية في أخريات سنوات عمره.

غير أن الملاحظ أنه برغم تلك الأعمال التي ترفع مثل هذا الملك إلي مصاف الحكام المعدودين عبر التاريخ نظراً لما قدمه لأمته، إلا أن أغلب المؤرخين المهتمين بدراسة تاريخ إنجلترا الأنجلو ساكسونية، قد مروا علي عصر الملك أوفا مرور الكرام، بينما أهمل فريق آخر الإشارة إليه تماماً، والأخطر من ذلك أن جميع وثائق عصره دون غيره من الملوك الإنجليز قد اختفت، وكانت ثالثة الأثافي أن المصادر المعاصرة لم تشر إلي نهايته، وبالتأكيد فكل هذه الوقائع تطرح العديد من الأسئلة التي تحتاج إلي إجابات شافية عن سر هذه المعاملة التي عومل بها أحد أعظم ملوك انجلترا.

فلقد كان البابا أدريان ( بابا روما 772 – 795) يعتبر أوفا عدو الكنيسة الرومانية اللدود، ويري أنه قام بأعمال أدت إلي تقويض دعائم الإيمان وهددت سلطان الكنيسة الرومانية وهددت بإخراجها من انجلترا، وما كان هذا الخطر سوي ما تردد عن إسلام الملك أوفا سراً، واتصاله بالخلفاء العباسيين في تلك الفترة.

وبلغ الأمر ذروته حينما استبدل الدينار الذي صكه في أول أيام ملكه والذي كان نقشه الصليب من جهة وصورة الملك من جهة أخرى؛ وصك بدلاً منه آخر وهو الدينار الذي كان نقشه من عبارات التوحيد الخالص، وهذا الدينار يعتبر من أهم وأندر العملات في تاريخ أوروبا الوسيط، بالرغم من الأخطاء الكثيرة التي تثبت جهل ضارب الدينار باللغة العربية.

ففي أحد وجهي القطعة توجد كتابة باللغة العربية، وهي "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وفي الحافة كتبت عبارة "محمد رسول الله"، ثم الآية الكريمة {أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33].

أما في وسط الوجه الثاني فنجد كتابة عربية أخرى وهي "محمد رسول الله"، وفي وسط هذه الجملة سجل اسم الملك "أوفا" باللغة الإنجليزية. أما في الحافة فقد كتب باللغة العربية: "بسم الله.. ضرب هذا الدينار سبع وخمسين ومائة".

وكما يفهم من إمضاء الملك أوفا فإن هذه القطعة ضربت خلال الأعوام 757 - 796م، وسنة 157 هجرية الواردة في قطعة النقد تصادف عام 774م، وهي ضمن فترة حكم الملك "أوفا".

مات الملك أوفا عام 796 م في بلدة أوفلي، ولقد وردت رواية عرضية دلت على مكان دفنه في بلدة بيدفورد الصغيرة، حيث تبين أنه لم يدفن كالعادة المتبعة مع غيره من أقرانه الملوك في كنيسة العاصمة أو كاتدرائيتها، بل تم دفنه في مصلى صغير في تلك البلدة، وهذا المصلى بمبني مجهول يقع خارج البلدة على حافة نهر الأوسك وهو نهر أشتهر بفيضاناته المدمرة، وقد تم دفن الملك بهذه الصورة المشبوهة على أمل أن يدمر الفيضان المصلى بمن فيها وقد تحقق ذلك، فالمقبرة قد أصابها التصدع وأتلفها التسوس حتى انهارت مع المبنى وغارت في أعماق النهر بفعل الفيضانات المدمرة على مر السنين.

المصادر:

كتاب (عظماء أسلموا).

عصر أوفا ملك إنجلترا الأنجلو ساكسوني 757-796م د. مصطفى حسن محمد الكناني (الأستاذ المساعد لتاريخ العصور الوسطى كلية الآداب - جامعة أسيوط).

مقالات متعلقة

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2022 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة