
إن الإنسان المؤمن إذا سمع آيات الله أو قرأ كتابه تحركت نفسه مع القرآن، وانفعل وجدانه مع كلام الله، محققاً بذلك قول المولى عز وجل: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].
وهذا الانفعال والتأثر بكلام الله ليس وليد لحظة خاطفة، وإنما هو تأثر يلازم القلب بعض الوقت، ثم ينساق في حياته، فإذا ما سمع كلام الله مرة أخرى عادت إليه تلك الروح الإيمانية العالية، وهكذا الإيمان، يزيد بالطاعة، يقول تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]
ومن عجائب وجميل التأثر بالقرآن ما حدث مع أبي حنيفة رحمه الله، فعن يزيد بن الكميت قال: "كَانَ أَبُو حنيفة شديد الخوف من الله، فقرأ بنا عَليّ بن الحُسَيْن المُؤَذِّن ليلة في عشاء الآخرة: (إِذا زُلْزِلَتِ) وَأَبُو حنيفة خلفه، فَلَمَّا قضى الصَّلاة وخرج النَّاس، نظرت إلى أَبِي حنيفة وَهُوَ جالس يفكر ويتنفس، فَقُلْتُ أقوم لا يشتغل قلبه بي، فَلَمَّا خرجت تركت القنديل ولم يكن فيه إِلا زيت قليل، فجئت وقد طلع الفجر وَهُوَ قائم قد أخذ بلحية نفسه وَهُوَ يَقُولُ: يا من يجزي بمثقال ذرة خير خيرًا، ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شرًا، أجر النُّعْمَان عبدك من النار، وما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك. قَالَ: فأذنت فَإِذَا القنديل يزهر وَهُوَ قائم، فلما دخلت قال: تريد أن تأخذ القنديل؟ قُلْتُ: قد أذنت لصلاة الغداة، قال: اكتم عَني ما رَأَيْت، وركع ركعتي الفجر وجلس حَتَّى أقمت الصَّلاة، وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل.
ولم أحدث بها أحدًا حتى مات رحمه الله". تاريخ بغداد (13/ 355)، الوافي بالوفيات (27/91).
فانظر كيف أن الوقت بين العشاء إلى الفجر قد انقضى وهو قائم يناجي ربه، ولا يشعر بكل هذه المدة، فكأنه غير خاضع لمعايير الأرض، محلق بقلبه ووجدانه في مناجاة ربه، وعندما عاد المؤذن واقترب من القنديل، ظن أنه يريد أن يأخذه ليذهب، فأخبره أنه قد انقضى الليل كله وأذن لصلاة الفجر!
شارك القصة مع أحبابك، واكتب لنا بالتعليقات أجمل وأرجى آية تلامس قلبك في كتاب الله!