
الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام، إمام الأئمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري الشافعي، صاحب التصانيف الشهيرة في الحديث والفقه، ومضرب الأمثال في سعة العلم والإتقان والجود والكرم والإقبال على العلم والآخرة، لا يعرف من أمر الدنيا شيئًا حتى إنه لم يكن يعرف فئات النقود من بعضها، فلا يميز بين العشرة والعشرين لأنه لم يكن يدخر شيئًا.
كان ابن خزيمة من أخص تلاميذ إسحاق بن راهوية وحمل عنه علمًا كثيرًا وزاد عليه، وكان من أحفظ الناس حتى أنه كان يقول عن نفسه: «ما كتبت سوداء في بياض إلا وأنا أعرفه»، وكان يحفظ الفقهيات من الحديث كما يحفظ القارئ السورة، قال عنه ابن حبان: «ما رأيت على وجه الأرض من يحفظ صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها، حتى كأن السنن كلها بين عينيه إلا ابن خزيمة فقط»، وقال عنه الدارقطني: «كان ابن خزيمة إمامًا ثبتًا، معدوم النظير».
كان ابن خزيمة من كبار أئمة السلف الصالح، علمًا من أعلام السنة والعقيدة وله كتاب التوحيد المشهور، وكان يقول: «القرآن كلام الله تعالى، ومن قال إنه مخلوق فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين»، وقال في الأسماء والصفات: «من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سموات فهو كافر حلال الدم وكان ماله فيئًا».
بالجملة كان لابن خزيمة عظمة في النفوس وجلالة في القلوب لعلمه ودينه واتباعه للسنة، وقد عمّر طويلاً وتفرد بالرياسة لأهل زمانه، وله تلاميذ وأصحاب صاروا في حياته مثل النجوم، وقد حاولت المعتزلة الوقيعة بينه وبين أعيان أصحابه ولكن الله عز وجل عصمهم بعد ما كادوا أن يختصموا، وقد مات ابن خزيمة في الثاني من ذي القعدة سنة 311هـ.
راجع: سير أعلام النبلاء (14/365)، طبقات الحفاظ ص310، طبقات الشافعية (3/109)، شذرات الذهب (2/262)، المنتظم (6/184)، البداية والنهاية (11/159)، النجوم الزاهرة (3/209)، تذكرة الحفاظ (2/720)، العبر (2/150).