حمل المصلي الآن
مدونة المصلي >>

وفاة الإمام ابن جرير الطبري

وفاة الإمام ابن جرير الطبري
2020‏/06‏/19
5٬920

إمام الأئمة وشيخ الأمة، ورائد علم التفسير والتاريخ، وأكبر علماء الإسلام تأليفًا وتصنيفًا، الإمام الكبير أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، المولود سنة 224هـ بمدينة آمل عاصمة طبرستان، وكان أبوه قد نذره للعلم وفرّغه من أجل هذه الغاية العظيمة، وكفاه مؤنة العيش، فخرج ابن جرير لطلب العلم سنة 240هـ، فرحل إلى بغداد ومكث بها عشر سنوات سمع خلالها من شيوخها وعلمائها، ولكنه لم يجتمع مع الإمام أحمد بن حنبل لأنه كان وقتها في مرضه الأخير، وتفقه الطبري على الشافعي حتى أصبح من كبار الشافعية، ثم أصبح مجتهدًا مطلقًا.

انتقل ابن جرير من بغداد إلى الشام لسماع الحديث وأخذ القراءات من علمائها، ومن الشام إلى مصر وهناك تعرض هو وزملاؤه لفاقة شديدة ألجأتهم للبقاء ثلاثة أيام بلا طعام، ثم حدثت كرامة كبيرة لهم، عندما أرسل الله عز وجل ملكًا من عنده ليخبر حاكم مصر وقتها «أحمد بن طولون» بحالهم، فأرسل إليهم بمئونة كافية، وبعد رحلة علمية طويلة عاد ابن جرير واستوطن بغداد بعد أن أذن له أبوه بذلك.

أما عن إنجازاته العلمية ومصنفاته التي تعتبر الأكبر والأغزر في تاريخ الإسلام، فإن الطبري يعتبر رائد مدرستي التفسير والتاريخ، على الرغم من وجود الكثير ممن سبقه في علم التاريخ والتفسير أيضًا، إلا إن الطبري كان صاحب مدرسة فريدة وجديدة، فكتابه الأشهر «تاريخ الرسل والملوك» يعتبر الأفضل في باب التاريخ، والذي يعتمد فيه على المنهج السردي والتحليلي للأحداث، كما إن كتابه في التفسير يعتبر فاتحة كتب مدرسة التفسير بالمأثور، حتى قال فيه الفقيه الإمام الإسفراييني: «لو سافر رجل إلى الصين حتى ينظر في كتاب تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرًا»، كما كان لابن جرير مؤلفات في الفقه والحديث والأصول، وكان له همة عجيبة في كتابة العلم والتأليف، حتى قيل عنه إنه مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة، ومن شدة اهتمامه بالعلم تحصيلاً وتدريسًا وتصنيفًا لم يتزوج قط طوال حياته، فكما قلنا فلقد نُذر من صغره للعلم.

كان ابن جرير شأنه كشأن العلماء الربانيين، الذين لا يبتغون بعلمهم إلا وجه الله، فلقد كان زاهدًا ورعًا منقبضًا عن الدنيا والمناصب وأبواب السلاطين والخلفاء، وكان الخلفاء والوزراء يفيضون عليه بالأموال والعطايا وهو لا يقبلها رغم فاقته وحاجته الشديدة التي كانت تدفعه في بعض الأحيان لبيع ملابسه، ولكنه على درب الصالحين لا حاجة له عند أمراء الدنيا وأهلها.

ولقد تعرض ابن جرير الطبري لمحنة شديدة في أواخر حياته بسبب التعصب المذموم والتقليد المذهبي الأعمى، فلقد وقعت ضغائن ومشاحنات بين ابن جرير الطبري ورأس الحنابلة في بغداد «أبي بكر بن داود» أفضت إلى اضطهاد الحنابلة لابن جرير، وكان المذهب الحنبلي في هذه الفترة هو المسيطر على العراق عامة وبغداد خاصة، وتعصب العوام على ابن جرير ورموه بالتشيع وغالوا في ذلك، وهو منه براء، حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وخلطوا بينه وبين أحد علماء الشيعة واسمه متشابه مع ابن جرير، وهو «محمد بن جرير بن رستم» وكنيته أيضًا أبو جعفر، ولقد نبه العلاَّمة الذهبي على هذا الخلط في تاريخه وفي كتابه القيم سير أعلام النبلاء، فذكر ترجمة ابن جرير بن رستم مباشرة بعد ترجمة ابن جرير الطبري، للتمييز بين الرجلين، وهذه المحنة واحدة من سلسلة طويلة من المحن التي وقعت للعلماء بسبب التعصب والجهل.

ولقد ظل ابن جرير محاصرًا في بيته حتى توفي رحمه الله في 27 شوال سنة 310هـ، ولم يستطيعوا أن يخرجوه من داره فدفنوه بها وظل الناس يصلون عليه أرسالاً شيئًا بعد شيء وذلك لعدة شهور، فرحمه الله رحمة واسعة.

راجع: سير أعلام النبلاء (14/267)، وفيات الأعيان (4/191)، تاريخ بغداد (2/169)، تذكرة الحفاظ (2/716)، طبقات المفسرين ص30، البداية والنهاية (11/155)، طبقات الشافعية (3/120)، شذرات الذهب (2/260)، المنتظم (6/170)، الفهرست ص326، العبر (2/146).

بحث

الأكثر تداولاً

ellipse

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2025 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة

Powered by Madar Software