حمل المصلي الآن
مدونة المصلي >> أخرى

سقوط سرقسطة الأندلسية

سقوط سرقسطة الأندلسية
2020‏/04‏/25
10٬329

كانت مدينة سرقسطة من أعظم حواضر الإسلام في الأندلس، فتحها المسلمون مع حركة الفتح الأولى أيام موسى بن نصير وطارق بن زياد، وقد اشتق اسمها العربي من اسمها الروماني «سيرا أوغسطة»، وهي ذات موقع إستراتيجي بالغ الخطورة، فهي تقع في شمال شرق الأندلس وما يعرف بالثغر الأعلى على حدود أملاك نصارى إسبانيا، وكانت المدينة شديدة التحصين مما كان يزين لكثير ممن تولى أمرها أن يخرج عن السلطة المركزية بقرطبة، وفي عهد ملوك الطوائف تولت أسرة بني هود حكم سرقسطة قاعدة الثغر الأعلى، وكانت هذه الأسرة تسير على سياسة مهادنة نصارى إسبانيا ودفع الأموال الطائلة لملوكها من أجل رد عدوانهم عن مملكة سرقسطة، وهذه السياسة الخانعة الذليلة هي التي أطمعت النصارى خاصة ملكهم «ألفونسو الأول» الملقب بالمحارب.

كان دخول المرابطين نجدة كبرى لدولة الإسلام بالأندلس، وتأجيلاً لسقوطها المدوي عدة قرون، وكان من سياسة أمير المرابطين «يوسف بن تاشفين» الإبقاء على بني هود في سرقسطة ليقوموا بواجب الدفاع وكحائط صد عن باقي الأندلس، ولكنه لم يكن يعلم يقينًا حقيقة الأوضاع هناك، لذلك قام ولده وخليفته من بعده «علي بن يوسف» بضم سرقسطة سنة 503هـ، وبعدها شعر المرابطون بمدى خطورة موقع سرقسطة وحجم الأخطار التي تهددها، ذلك أن ألفونسو المحارب لما علم بدخول المرابطين إليها شن حربًا خاطفة عليها ولكن القوات المرابطية ردته بشدة، وظلت سرقسطة آمنة من سنة 504هـ حتى سنة 511هـ حيث انشغل ألفونسو المحارب وقتها بحرب داخلية مع جيرانه القشتاليين.

بعد أن انتهى ألفونسو من حروبه الداخلية اتجه إلى حصار سرقسطة لفتحها في صفر سنة 512هـ، وقد أسبغت على هذه الحرب صفة الصليبية التامة، ذلك أن ألفونسو المحارب قد أرسل بسفارة إلى بابا روما يطلب منه إعلان حرب صليبية على المسلمين وإرسال قوات فرنجية أغلبها من فرنسا للاشتراك معه في الاستيلاء على سرقسطة، فجاءت أعداد ضخمة من أوروبا لنصرة نصارى إسبانيا، وكانت أوروبا وقتها تموج بالحماسة الدينية المفرطة بعد نجاح الحملة الصليبية الأولى على الشام.

حاول أهل سرقسطة بقيادة «عبد الله بن مزدلي» فك الحصار المضروب عليهم، ودخلوا في معارك شرسة مع الصليبيين، انتصر فيها المسلمون عدة مرات، وكادوا أن يردوا الصليبيين على أعقابهم، وكان أمير المرابطين «علي بن يوسف» قد أرسل أخاه الأمير «تميم» على رأس قوات مرابطية كبيرة لنجدة المسلمين بسرقسطة، ولكن تسارعت الأحداث والوقائع بشكل مأساوي، إذ توفي والي سرقسطة ورجلها القوي «عبد الله بن مزدلي» بعد مرض سريع، وأصبحت المدينة بلا والٍ، وشدد الصليبيون من حصارهم للمدينة، ثم تردد الأمير تميم وأحجم عن نجدة المدينة لما رآه من ضخامة الجيش الصليبي، و«تميم» نفسه لم يكن أهلاً للقيادة والحروب، ثم أكمل هذه المهزلة بانسحابه إلى «بلنسية» تاركًا المدينة تواجه مصيرها المظلم وحدها، وقيل إن النجدة المرابطية قد وصلت متأخرة بعد سقوط سرقسطة، المهم أن المدينة أصبحت وحدها قبالة عدو صليبي شديد الحقد، عظيم العداوة.

شدد الصليبيون من حصارهم للمدينة التي فنيت أقواتها وعمها اليأس والفزع والاضطراب بعد وفاة واليها، وقام الرهبان والأساقفة بوضع كنوز الكنائس تحت تصرف الحملة الصليبية لشراء السلاح والمؤن، ومع اشتداد الحصار وعصف الجوع والحرمان والمرض بأهل المدينة اضطروا للتسليم نظير الأمن والسلامة لأنفسهم وأموالهم، وبالفعل دخل الصليبيون بقيادة ألفونسو المحارب سرقسطة يوم الأربعاء 3 رمضان سنة 512هـ ـ 18 ديسمبر سنة 1118م، وتم تحويل الجامع الكبير في المدينة إلى كنيسة، وهو التقليد المتبع لإثبات تفوق النصرانية على الإسلام.

راجع: نفح الطيب (2/585)، دولة الإسلام في الأندلس (4/86ـ 104)، تاريخ ابن خلدون (4/163)، الحلة السيراء ص225، روض القرطاس ص106.

بحث

الأكثر تداولاً

ellipse

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2025 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة

Powered by Madar Software