
عندما سئل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12]، أجاب: كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل، فمحي، فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو.
وهذه حقيقة علمية لم تظهر إلا في القرن العشرين، حيث لم يتيسر للعلماء معرفة طبيعة القمر تمامًا إلا بواسطة وسائل النظر الفلكية الدقيقة، والدراسات الجيولوجية على سطحه، وبعد أن تم تحليل تربته استطاع علماء الفضاء القول بهذه الحقيقة العلمية: بأن القمر خلال تشكله تعرض لاصطدامات كبيرة وهائلة مع الشهب والنيازك، وبفعل درجات الحرارة الهائلة تمَّ انصهارُُ حادُّ في طبقاته، ممَّا أدى إلى تشكيل أحواض وقمم وفوهات، والتي قامت بدورها بإطلاق الحمم البركانية الهائلة، فملأت أحواضه في تلك الفترة. ثم برد القمر، فتوقفت براكينه وانطفأت حممه، وبذلك انطفأ القمر وطمس بعد أن كان مشتعلًا.
لكن قد يرد اعتراض: كيف تقولون أن المحو هو المقصود به ضوء القمر وليس الليل نفسه، والمولى عز وجل يقول عن القمر أنه نور ومنير: ﴿وَهُوَ الَّذِيْ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوْرًا﴾ [يونس:5].
ونقول أن هذه الآية الكريمة إنما هي دليل آخر على أن القمر كان مضيئًا ثم محي ضوؤه، وبيان ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد فرق بين الضوء والنور تفريقًا دقيقًا، ففي آية سورة يونس وصف أشعة الشمس بالضياء، ووصف أشعة القمر بالنور، وأصل كل منهما الضوء المنبعث من السراج. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴾ [الفرقان: 61]. فشبه الشمس بالسراج، والسراج هو المصباح، الذي يضيء بالزيت، أو بالكهرباء، أو بأي نوع آخر من أنواع الوقود، وشعاع ضوئه، وسطوعه على الأجسام المعتمة هو الذي يسمَّى نورًا. ولهذا وصف سبحانه وتعالى القمر بأنه منير، ولم يصفه في أيٍّ من الآيات بأنه مضيء. والسر في ذلك أن القمر يستمد نوره من ضوء الشمس، ثم يعكسه، فيبدو لمن يراه مضيئًا.
فسبحان العليم الحكيم الذي قال: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 18].
راجع:
تفسير الطبري (17/ 396). تفسير ابن كثير (5/50). الدر المنثور في التفسير بالمأثور (5/ 248).
موسوعة القرآن الكريم http://www.iid-quran.com/Ijazz/moon.php
ملتقى أهل التفسير