
العالم العابد القدوة الزاهد، المعلم الرباني، الداعية المجاهد الواعظ، أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، المولود سنة 21 هـ، وقد تشرف باحتضان أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها له، وربما تكون قد أعطته ثديها مرة أو مرتين، ذلك لأن أمه «خيرة» كانت مولاة لأم سلمة وكانت تخدمها وملاصقة لها، وكانوا يرون أن حكمة الحسن وعلومه من بركة هذه الرضعة النبوية، وقد دعا له الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو طفل صغير فقال: «اللهم فقهه في الدين وحببه في الناس» فجاءت حياته مطابقة تمامًا لهذه الدعوة.
نشأ الحسن البصري وعاش حياته كلها في البصرة، فلم يخرج منها إلا للجهاد أو الحج، وكان مهيب الطلعة على الرغم من كونه أسود اللون، وكان مفوهًا بليغًا حكيمًا، كلامه يشبه كلام الأنبياء، وقد جمع أهل العلم مثل أحمد بن حنبل وابن أبي الدنيا كلامه ومواعظه وحكمه واعتنوا بها. ومن شدة فصاحته أنه لم يلحن في كلامه قط لا بالهزل ولا في الجد، وكان جامعًا للعلم والعمل والزهد، طويل الصمت والحزن، سريع البكاء، لا يراه أحد إلا يحسبه حديث عهد بمصيبة.
كان الحسن شديد القوى يتقدم الصفوف في الجهاد، بل يحمل اللواء في كثير من الأحيان، وكان أمارًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، له مواقف مشهودة مع الظلمة مثل الحجاج الثقفي، وكان الحسن هو حصن أهل البصرة من ظلم وطغيان الحجاج، بل يرون أن الحجاج قد مات بدعوة الحسن عندما بلغه خبر مقتل سعيد بن جبير فدعا على الحجاج [اللهم يا قاصم الجبابرة اقسم الحجاج] فمات الحجاج بعد ثلاثة أيام، وكان الحسن البصري يكره افتراق الأمة وسفك دمائها، لذلك وعلى الرغم من إنكاره الشديد على الظلمة إلا إنه كان لا يرى الخروج عليهم أو الاشتراك في أي ثورة، طالما لم يصل الحد إلى مرحلة الكفر، لذلك لم يشترك في ثورة ابن الأشعث سنة 83هـ، ولا في ثورة ابن المهلب سنة 102هـ.
وقد توفي رحمه الله في 2 رجب سنة 110هـ، بعد حياة مليئة بالعلم والعبادة والوعظ والإرشاد والجهاد ونشر الدين والتصدي للظالمين.
راجع: البداية والنهاية (9/273)، صفة الصفوة (2/137)، سير أعلام النبلاء (4/563)، وفيات الأعيان (2/69)، العبر في خبر من غبر (1/136)، شذرات الذهب (1/136)، المنتظم (7/136)، تاريخ خليفة (1/340).