
الشيخ العلامة والإمام الكبير والمجتهد المطلق، قاضي قضاة القطر اليماني، أحد الحفاظ المجتهدين، وشيخ الإسلام في زمانه، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني، ولد في شهر ذي القعدة سنة 1172هـ في بلدة هجرة شوكان وهي قرية صغيرة على مسيرة أقل من يوم (30 كيلو متر مربع) من صنعاء، وباليمن عدة مواضع تسمى بشوكان.
نشأ الشوكاني في بيت علم وديانة وعفاف، وقد دفع به أبوه في طريق العلم الشرعي، وأجلسه بين يدي العلماء والأئمة الأعلام وقتها، ونذره لتحصيل العلوم، وكان الشوكاني عند حسن ظن أبيه، فيه فلقد أبدى حافظة كبيرة ومصابرة عجيبة في سماع العلم والجلوس في حلقه وبين يدي شيوخه وأئمته، وتبحر في شتى الفنون والعلوم، وحصل على الإجازات الكثيرة والأسانيد العالية، فبرع في الفقه والتفسير والحديث والأصول، وأخذ العلم من أعلام الزمان وأئمة الشأن وكلهم قد أثنى عليه وتفرس فيه وراهن على نبوغه وتقدمه، وكان أشدهم تأثيرًا فيه العلاَّمة الصنعاني الملقب بالأمير.
وعلى الرغم من أن الشوكاني قد تفقه على مذهب زيد بن زين العابدين من آل البيت وكان هو المذهب السائد والمعتمد في بلاد اليمن التي كانت وقتها تحت حكم الأئمة الزيود، إلا إن الشوكاني قد تبحر في دراسة الحديث النبوي وصار أحد كبار الحفاظ، وهذا الجمع بين دراسة الفقه الزيدي وفقه أهل الحديث أدى به لخلع ربقة التقليد وتحلى بدرجة الاجتهاد، وألف كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، وفيه شن الغارة العنيفة على مذهب الزيدية وأبطل الكثير من مسائله التي لا أصل ولا دليل عليها، وأقر ما كان منها موافقًا للأصول ومقيد بالدلائل، مما جعل أهل عصره وغالبهم من المقلدة والمتعصبة للأصول والفروع الزيدية يقومون عليه قومة رجل واحد، كما قاموا من قبل على أستاذه الأمير الصنعاني ومن قبلهما ابن الوزير، فانتصب لهم بالبرهان والدليل واتهموه بهدم مذهب آل البيت وعداوتهم، وحاشاه من ذلك، ولكنه حال كل من حاول فتح باب الاجتهاد ونبذ التقليد، أما عقيدة الشوكاني فلقد أودعها وبيَّنها في رسالته (التحف بمذهب السلف) فلقد كان على مذهب السلف في العقائد.
أما عن مؤلفاته ومصنفاته فلقد قاربت على المائة مؤلف، حوت فنونًا شتى، بلغت من الشهرة والقبول ما لم يكن لأحد من معاصريه، في غاية الحسن والدقة، من أشهرها نيل الأوطار والسيل الجرار، وتحفة الذاكرين، وشرح الصدور، والتحف في مذهب السلف، والتفسير الشهير فتح القدير، ووبل الغمام، إلى غير ذلك من الكتب والرسائل معظمها في الفقه الذي كان من أحب الفنون إلى الشوكاني، وقد توفي رحمه الله في 27 جمادى الآخرة سنة 1250هـ.
راجع: مقدمة كتاب البدر الطالع ص5، نيل الأوطار (1/4ـ8).