الصلوات الفائتة لا تخلو من ثلاث حالات :
الأولى: أن يكون ترك الصلاة لعذر كالنوم أو النسيان ، ففي هذه الحالة يجب قضاؤها , لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» رواه البخاري (572) ومسلم (684) واللفظ له.
الحالة الثانية: أن يكون ترك الصلاة لعذر لا يكون معه إدراك, كالغيبوبة، ففي هذه الحالة تسقط الصلاة عنه، ولا يجب عليه قضاؤها, ولو كانت المدة قليلة كثلاثة أيام، فقضى، فهذا أحوط.
الحالة الثالثة: أن يكون ترك الصلاة عمدًا من غير عذر، فهذا لا يخلو من حالين:
الأولى: إما أن يكون جاحدًا لها غير معترف بوجوبها، فهذا لا خلاف في كفره, وأنه ليس من الإسلام في شيء، فعليه أن يدخل في الإسلام ثم يعمل بأركانه وواجباته, ولا يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة حال كفره.
والثانية: أن يكون تركه للصلاة تهاونًا وكسلًا فهذا فيه خلاف:
الرأي الأول: وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وأبو محمد بن حزم، وبعض أصحاب الشافعي أنه لا يصح منه قضاؤها؛ لأنه لم يكن له عذر حين تركها، وقد أوجبها الله عليه في زمن معلوم وبتوقيت محدود، قال سبحانه: ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 ، أي : لها وقت محدد ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) . فالواجب هنا التوبة إلى الله التوبة الصادقة، ومن تاب تاب الله عليه.
الرأي الثاني: وهو رأي الجمهور وقالوا: يجب عليه قضاء جميع الصلوات التي تركها بعد البلوغ ولو كانت أكثر من خمسين سنة، وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فجميع هؤلاء الأئمة الأربعة متفقون على أنه يجب عليه قضاء ما فاته بعد بلوغه، وحجتهم: أن هذا الشخص بالغ عاقل مسلم ملتزم لأحكام الإسلام، والصلاة من أوجب واجبات الإسلام، بل هي أعظم أركانه بعد الشهادتين، ولم يقم دليل على أن تأخيرها عن وقتها مسقط لوجوبها، بل لو كان تأخيرها عن الوقت عمدًا مسقطًا لوجوبها لكان فيه فتح باب للتلاعب وإضاعة الصلاة، وهذا الشخص إذا صح أنه تائب فإن من تمام توبته أن يقضي ما وجب عليه في ذمته، كالدين لآدمي إذا أنكره ثم ندم وتاب فإنه لا يبرأ منه إلا بدفعه إلى صاحبه، وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من نام عن الصلاة أو نسيها أن يصليها إذا ذكرها أو استيقظ، فإذا كان هذا في حق النائم أو الناسي وهما معذوران فكيف بحال المستيقظ الذاكر المتعمد لتركها أفلا يكون أولى بالأمر بالقضاء ممن كان معذوراً؟
قال ابن قدامة في المغني: «إذَا كَثُرَت الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ, مَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ, أَمَّا فِي بَدَنِهِ فَأَنْ يَضْعُفَ أَوْ يَخَافَ الْمَرَضَ, وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ, بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ عَنْ مَعَاشِهِ, أَوْ يُسْتَضَرُّ بِذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ, فِي الرَّجُلِ يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ: يُعِيدُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَا قَدْ ضَيَّعَ».