
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ»، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا، أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحيح البخاري (2348).
قوله: «أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟» أَيْ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّنَعُّم.
«فَبَذَر» أَيْ: فَأُذِنَ لَهُ فِيهِ فَبَذَرَ أَيْ رَمَى الْبَذْرَ فِي أَرْضِ الْجَنَّةِ.
«فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ» أي: فَحَصَلَ نَبَاتُهُ فِي الْحَالِ، مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ لِلْحَصَادِ مِنْ جَانِبِ الْعِبَادِ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ.
«فَيَقُولُ اللَّه» أَيْ حِينَئِذٍ «دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ» أَيْ خُذْ مَا تَمَنَّيْتَه. قَالَهُ فِي سَبِيلِ التَّوْبِيخِ تَهْجِينًا لِمَا الْتَمَسَهُ، وَمِنْ ثَمَّ رُتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: «فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ» أَيْ حَتَّى فِي الْجَنَّةِ.
«فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لَا نَجِدُهُ» أَيْ هَذَا الرَّجُلُ (إِلَّا قُرَشِيًّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ (أَوْ أَنْصَارِيًّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، «فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ» أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْصَارُ أَكْثَرَ زَرْعًا.
«وَأَمَّا نَحْنُ» أَيْ مَعَاشِرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ «فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ الزَّرْعِ» أَيْ فَلَا نَشْتَهِي مِثْلَ ذَلِكَ.
«فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ مِنْ فَطَانَةِ الْبَدَوِيِّ.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3600).