خلال حركة الفتوحات الإسلامية التي شهدتها العراق وبلاد فارس اتجه المسلمون لمنطقة الأنبار إحدى تجمعات الجيوش الفارسية.
وعندما وصل إليها خالد بن الوليد قائد المسلمين خيَّر حاكم الأنبار الفارسي شيرازاد بين ثلاث: إما أن يُسلِم فَيَسْلَم، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وإما أن يعطي الجزية مقابل رعاية المسلمين، وإما أن يُقتَل.
واختار شيرازاد حاكم الأنبار القتال، وهو يعلم في داخل نفسه أنه مهزوم، ويقف أهل الأنبار أعلى الحصن ليرموا المسلمين، وبخبرته الثاقبة في الحروب رأى خالد رضي الله عنه أن هؤلاء القوم يقفون أعلى الحصون دون أن يحاولوا الاختباء، فيقول لجيشه: والله إن هؤلاء قوم ليس لهم علم بالحرب؛ فسددوا أسهمكم إليهم في رمية رجل واحد واختاروا العيون!
ووقف الرماة المهرة في مقدمة صفوف المسلمين، واستعدوا للأمر، وفي لحظة واحدة أشار خالد بن الوليد فانطلقت مئات الأسهم من الجيش المسلم نحو أهل الأنبار ففُقِئَت في أول رمية ألفُ عين، ولهذا سُمِّيت هذه الموقعة موقعة (ذات العيون)، فأعلن شيرازاد ومن معه الاستسلام مباشرة.
ووافق خالد بن الوليد على خروج الحاكم الفارسي شيرازاد وجنوده وتوجهم إلى المدائن العاصمة الفارسية، وعندما وصلها لامه (بهمن جاذويه) قائد الجيوش الفارسية على مقدمة المدائن، فقال له شيرازاد: كيف أقاتل من فقأ ألف عين في أول رمية؟!
ودخل خالد بن الوليد الأنبار، وسبى الكثير من أهلها، وكان منهم أربعون غلامًا يتعلمون الإنجيل في كنيسة من الكنائس، وكان من هؤلاء الغلمان الأربعين غلامٌ صغير يُسمَّى نُصَيرًا، وغلام آخر يُسمى سيرين، وقد أسلم كل منهما، وتزوج نصير وأنجب موسى بن نصير الذي فتح الأندلس، وأنجب سيرين محمد بن سيرين أحد كبار علماء المسلمين، وأحد كبار التابعين.
راجع: البداية والنهاية لابن كثير (6/ 384).