إنه السلطان علي دينار سلطان دارفور، التي كانت سلطنة إسلامية منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي وحتى عام 1916م، وكان هو آخر سلاطينها، الذي دان لدولة الخلافة العثمانية وحارب الإنجليز ووقف سدًا منيعًا أمامهم طوال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من سبعة عشر عامًا، وهو من قبيلة الفور المسلمة.
حينما تأخرت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لظروف الاستعمار، أقام السلطان علي دينار في مدينة الفاشر (عاصمة دارفور) مصنعًا لصناعة كسوة الكعبة، وظل طوال فترة حكمه تقريبًا يرسل كسوة الكعبة ومحملًا سنويًا، كما يفعل الملوك، إلى مكة المكرمة من الفاشر عاصمة دارفور.
وهذه صُورة لمحمل السلطان علي دينار وهو يمر بأم درمان في العام 1904م في طريقه للحجاز.
هذه الأرض الإسلامية تبلغ مساحتها ما يساوي مساحة جمهورية فرنسا، ويبلغ تعداد سكانها حوالى 6 ملايين نسمة، ونسبة المسلمين تبلغ 100%.
والذي لا يعرفه البعض عنها أن فيها نسبة عالية من حفظة كتاب الله عز وجل سيما في قبيلة الفور، إذ تبلغ هذه النسبة ما يزيد عن 50% من أفراد القبيلة، وكان الطفل لا يختن إلا إذا حفظ القرآن، والبعض لا يزوج ابنته إلا لحامل القرآن، حتى إن مسلمي أفريقيا يسمون هذه الأرض “دفتي المصحف”، وقد كان السلطان علي دينار يؤمِّن طريق الحج لحجاج غرب أفريقيا مجتمعين.
وكان في الأزهر الشريف حتى عهد قريب رواق اسمه “رواق دارفور”، كان أهل دارفور لا ينقطعون عن طلب العلم فيه.
المدينة المنورة ميقاتها المكاني للحج والعمرة يسمى بذي الحُليفة، وعلي دينار هذا جاء إلى الميقات أواخر القرن التاسع عشر حاجًا (منذ حوالى أكثر من مائة عام)، فوجد حالة الميقات سيئة، فحفر آبارًا إضافية للحجاج ليشربوا منها ويُطعمهم عندها، وجدّد مسجد ذي الحُليفة، الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج للحج من المدينة المنورة، وأقام السلطان بالميقات وعمّره.
ضيَّق الاستعمار الإنجليزي على السلطان علي دينار كثيرًا حتى يُتْبِعوه لهم تمامًا، فشكا لخليفة المسلمين وبعث له بهذه الرسالة:
«وقد أحاطت أيدي النصارى الكلاب الكفار بالمسلمين من يميننا وشمالنا وورائنا وأمامنا، وحازوا ديار المسلمين كلها، ممالك البعض سلطانها مقتول، والبعض سلطانها مأسور، والبعض سلطانها مقهور، يلعبون بأيديهم كالعصفور، ما عدا بلادنا دارفور قد حفظها الله من ظلمات الكفار. والداعي أنهم حالوا بيننا وبين الحرمين الشريفين اللذين حرسهما الله ومنحكم بخدمتهما. ولم نر حيلة نتوسل بها لأداء الفرض الذي فرضه الله علينا من حج بيته الحرام، وزيارة نبيه عليه الصلاة والسلام,…».
وقتله الإنجليز يوم 6/11/1916م.