حمل المصلي الآن
مدونة المصلي >> تاريخنا

مناقب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى

مناقب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
2024‏/08‏/12
35٬247

علم من أعلام الأمة، وبطل من أبطالها، وإمام من أئمة الدين، نصر الله به السنة.

ولد بغزة، وهي من الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، سنة (150 هـ) من شهر رجب، السنة التي توفى فيها أبو حنيفة رحمه الله تعالى. ثم حُمل إلى مكة وهو ابن سنتين، واشتهر بالذكاء والحفظ منذ صغره، يقول عن نفسه: كنت في الكتاب أسمع المعلم يلقن الصبي الآية فأحفظها، فإلى أن يفرغ المعلم من الإملاء عليهم قد حفظت جميع ما أملى، فقال لي ذات يوم: لا يحل لي أن آخذ منك شيئا، واستمر على ذلك، حتى جمع القرآن وهو ابن سبع سنين.

نشأ يتيمًا في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة فتحولت به إلى مكة وهناك تعلم العربية، والشعر، ثم حبب إليه الفقه فساد أهل زمانه.

إنه إمام الدنيا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ابن عبد مناف، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي الغزي، كان أبيض جسيما، جميلا مهيبا، وقد أثنى عليه العلماء،

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ ‌اللَّهَ ‌يَبْعَثُ ‌لِهَذِهِ ‌الْأُمَّةِ ‌عَلَى ‌رَأْسِ ‌كُلِّ ‌مِائَةِ ‌سَنَةٍ ‌مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». [(صحيح) سنن أبي داود (4291)] قال الإمام أحمد بن حنبل: فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، والشافعي على رأس المائة الثانية. وقال: «ما أحد مس بيده محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في رقبته منة.

وسأله ابنه فقال له: يا أبت أي رجل كان الشافعي؟ سمعتك تكثر الدعاء له، فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض.

وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوا من أربعين سنة.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: «لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني لأنني رأيت كلام رجل عاقل، فصيح نصيح، فإني أكثر الدعاء له، وما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل».

وقال داود بن علي الظاهري: «للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره، من شرف نسبه، وصحة دينه ومعتقده وسخاوة نفسه، ومعرفته بصحة الحديث وسقمه وناسخه ومنسوخه وحفظه الكتاب والسنة، وسيرة الخلفاء، وحسن التصنيف، وجودة الأصحاب والتلامذة، مثل أحمد ابن حنبل في زهده وورعه وإقامته على السنة».

وسئل الشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف مما لم أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعا تتنعم به مثل ما تنعمت به الأذنان، فقيل له: فكيف حرصك؟ قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال، فقيل له: فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره.

قال رحمه الله:

سأضرب في طول البلاد وعرضها … أنال مرادي أو أموت غريبا

فإن تلفت نفسي فلله درها … وإن سلمت كان الرجوع قريبا

وكان يقول: «قراءة الحديث خير من صلاة التطوع، وطلب العلم أفضل من صلاة النافلة». وكان يقول: «من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه». وقال: «وددت أن الناس تعلموا هذا العلم، ولم ينسب إلي منه شيء، فأؤجر عليه، ولا يحمدوني».

وقال أيضا: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط.

وكان من العباد الزهاد، قال الربيع بن سليمان: «كان الشافعي قد جزأ الليل، فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام، وكان يختم القرآن في كل رمضان ستين ختمة، وفي كل شهر ثلاثين ختمة».

ومن أقواله العظيمة: «العلم ما نفع وليس العلم ما حفظ». وقال: «لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة، والرزانة». وقال: «العاقل من عقله عقله عن كل مذموم». وقال: «من لم تعزه التقوى فلا عز له. وقال: من لزم الشهوات لزمته عبودية أبناء الدنيا، وقال: الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله، وقال: اجتناب المعاصي، وترك ما لا يعنيك ينور القلب، عليك بالخلوة وقلة الأكل، وإياك ومخالطة السفهاء، ومن لا ينصفك. وقال: المروءة أركان أربعة: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك، وقال أيضا: والتواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، التواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة.

وقال: أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله.

وهذه الأقوال السابقة تدل على كمال عقله وفصاحته، فقد كانوا يعدونه من عقلاء الرجال.

قال الذهبي: «لا نلام والله على حب هذا الإمام؛ لأنه من رجال الكمال في زمانه». فرحم الله الشافعي، وأين مثله في صدقه، وشرفه، ونبله، وسعة علمه، وفرط ذكائه، ونصره للحق، وكثرة مناقبه.

وكان رحمه الله كريما يضرب به المثل مع أنه كان في أكثر حياته فقيرا، فإذا أتاه مقدار من المال أنفقه، وتصدق به على الفقراء والمحتاجين، قال الحميدي: قدم الشافعي مرة من اليمن ومعه عشرون ألف دينار، فضرب خيمته خارجا من مكة فما قام حتى فرقها كلها.

قال المزني: «دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت: يا أبا عبد الله كيف أصبحت؟ فرفع رأسه وقال: أصبحت من الدنيا راحلا ولإخواني مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى وأنشأ يقول:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي … جعلت رجائي دون عفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته … بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل … تجود وتعفو منة وتكرما»

وكانت وفاته بمصر يوم الخميس، وقيل: يوم الجمعة في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة رحمه الله، وأكرم مثواه، وجعل الجنة مأواه.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

بحث

الأكثر تداولاً

مقالات متعلقة

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2025 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة

Powered by Madar Software