
من السُّنَّة كَفّ الصِّبيان والماشية أول ساعة من الليل، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله تعالى.
ففي كفِّ الصبيان أول ساعة من المغرب حفظ لهم من الشياطين التي تنتشر ذلك الوقت، وكذا في إغلاق الباب هذه الساعة وذكر اسم الله تعالى عند إغلاقه، وكم من صبي وبيت تمكَّنت الشياطين منه في هذا الوقت وأهله لا يشعرون، فما أعظم رعاية الإسلام لأولادنا، وبيوتنا!
روى البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ .» [صحيح البخاري 5623، وصحيح مسلم 2012].
وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ. [صحيح مسلم 2013]
و قال «خَمِّرُوا الْآنِيَةَ وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ». [صحيح البخاري 3316]
وقال «غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ.». [صحيح مسلم 2014]
هذه الأحاديث فيها جمل من أنواع الخير والآداب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا. فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان. وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على كشف إناء ولا حل سقاء ولا فتح باب ولا إيذاء صبي وغيره، إذا وجدت هذه الأسباب. ولا يبعد أن كثيرًا مما يصيب الناس من الأسقام والعلل النفسية والبدنية هو من التفريط في الامتثال لهذه التوجيهات الكريمة، وقد بلّغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونصح، فلا يلومن امرؤ إلا نفسه.
وجنح الليل هو: إقباله بعد غروب الشمس.
(فكفوا صبيانكم) أي امنعوهم من الخروج ذلك الوقت.
(فإن الشيطان ينتشر) أي جنس الشيطان. ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ.
(الفواشي): كل منتشر من المال، كـ: الإبل، والغنم، وسائر البهائم، وغيرها وهي جمع (فاشية)؛ لأنها تفشوا -أي تنتشر في الأرض-.
«(فحمة العشاء) أي ظلمتها وسوادها: يقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة، وللتي بين العشاء والفجر العسعسة. وإيكاء السِّقاء: شَدُّهُ بالخيط. و(قوله: فإنَّ لم يجد أحدكم إلا أن يَعرُض عودًا ويذكر اسم الله فليفعل) أي: يجعل العود معروضًا على فم الإناء، ولا بدَّ من ذكر الله تعالى عند هذه الأفعال كُلِّها.
قوله: (وباء) هو مرض عام، والمراد بنزوله نزول أسبابه من المواد والجراثيم التي تفضي إليه، كالطاعون والكوليرا وأنواع من الحمى وغيرها». [منة المنعم في شرح صحيح مسلم 3/ 354]
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل، وتلك سُنَّة مأمور بها، رفقا بالناس؛ لشياطين الإنس والجن، وأمَّا قوله: «فَإِنَّ الشيطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا غَلَقًا، وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً» فذلك إعلام منه، وإخبار عن نِعَم الله عز وجل على عباده من الإنس، إذ لم يُعْطَ قوة على فتح باب، ولا حل وِكَاء، ولا كشف إناء، وأنه قد حُرِم هذه الأشياء». الاستذكار (8/ 363).
- وكفِّ الصبيان، وإغلاق الأبواب أول المغرب إنما هو من باب الاستحباب.
والأمر بذلك من باب الإرشاد، وأنَّ ترك ذلك لا يمنع الشُّربَ من ذلك الإناء. وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك.