
دعاء أعيا الملائكة لعظم أجره:
ردد معي وقل: «يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك».
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ حدثهم: «أن عبدًا من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء، وقالا: يا ربنا، إن عبدك قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله عز وجل: وهو أعلم بما قال عبده: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله عز وجل لهما: اكتباها كما قال عبدي، حتى يلقاني فأجزيه بها» (أخرجه ابن ماجه (3801)، وحسنه الأرناؤوط.).
هل تعلم أن هذا الدعاء كما قال النبي ﷺ: «فعضلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها» أي اشتدت هذه الكلمات على الملكين، فلم يعلما مقدار ما يكتب لصاحبها أو لقائلها من الثواب والأجر، مع أن الملائكة الكتبة يعلمون جيدًا كيف يكتبون أجور الأعمال؛ لكن حينما أرادوا تقدير ثواب هذا الحمد عجزوا عن تقديره، لأن أجرها عظيم لا يعلمه إلا الله تعالى.
فقوله ﷺ: «يا رب لك الحمد» وتقديم الجار والمجرور «لك» لإفادة الاختصاص، فالحمد له وحده جل وعلا، «كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك» هنا السر في عجز الملكين عن تقدير ثواب هذا الحمد.
«جلال وجهك» الجلال من جلّ الشيء إذا عظم، وجلال اللّه عظمته وقدره، ويقال أمر جلل: معناه الأمر العظيم الذي لا طاقة للكل به، فالمعنى حمدًا كما يليق بعظمة الله سبحانه وتعالى.
فهو سبحانه صاحب الجلالة، لأنه لا شرف، ولا مجد، ولا عزة، ولا قوة، إلا وهي له، فهي له وبه ومنه، والجلال فيه معنى يتضمن التعظيم والتسبيح والخضوع، والجلال يعني التنزيه، تقول: جل جلاله؛ أيْ تنزهت ذاته عن كل نقص.
وجلال الله منزه عن الأنصار والأعوان؛ أحيانًا يستمد الإنسان هيبته ممن حوله، ومن أنصاره، وأعوانه، وجماعته، ومن القوة التي بيده، ومن الأشخاص الذين حوله؛ لكن الله عز وجل منزه في جلاله عن الأعوان والأنصار.
أما الإنسان؛ فجلالته قد تكون من ماله، أو مكانته من علمه، أو مكانته من سلطته؛ هذه المكانة مشوبة ومفتقرة إلى شيء؛ فجلال الله عز وجل منزه عن الأسباب؛ لأنه ذو جلال بذاته من دون سبب منفصل عنه.
«وعظيم سلطانك» وسلطان الله تعالى كبير وعظيم، يقول سبحانه: {ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض} [البقرة: 107]، وقال تعالى: {لله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير} [آل عمران: 189].
إن عظمة ملك الله لا يعلمها إلا الله جل وعلا، ولكن الله جل وعلا بين لنا ما يدل على عظمته بقدر ما تتسع له عقولنا، وإلا فإن عظمة الله تعالى لا يحيط بها ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255].
قال ابن كثير رحمه الله: أيْ: لا يطَّلع أحدٌ مِن علْم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطْلَعه عليه، ويحتمل أن يكون المرادُ: لا يطَّلِعون على شيء من علم ذاتهِ وصفاتهِ إلا بما أطْلعهم الله عليه، كقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] (تفسير ابن كثير (1/ 679).).
وقد جاء في آية الكرسي قوله عز وجل: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
وإذا كان كرسي الله الذي هو موضع قدميه سبحانه قد وسع السماوات والأرض فما نسبته للعرش؟ ثم ما نسبة العرش لله سبحانه؟ وفي حديث أبي ذر الغفاري الطويل أنه سأل النبي ﷺ: يا رسول الله، فأيُّ ما أنزل الله عليك أعظم؟، قال: «آية الكرسي»، ثم قال: «يا أبا ذر، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة» (أخرجه ابن حبان (361).).
فإذا كانت هذه الأرض التي تعيش عليها الكائنات الحية ما هي إلا كذرة في الكون! فكيف إذا قورنت الأرض الصغيرة المعلقة في الهواء بالمجموعة الشمسية!!!
ثم ما النسبة إذا قورنت هذه المجموعة بالمجموعات الأخرى؟!
وكل هذه المخلوقات ما هي إلا من مكونات السماء الدنيا!!!
فكيف بالسموات الأخرى وما تحويها من عجائب لا يعلمها إلا الله؟
وقال تعالي: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: ٢٩]، وقال: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49].
فهاتان الآيتان تدلان على أن هناك خلقًا لا نراهم ولا نعلم عنهم شيئًا غير الجن والإنس والملائكة.
ونريد أن نصل بهذا إلى أن الله رب العالمين رب كل شيء نراه أو نؤمن به أو خفي عنا علمه وحقيقته وندرك مدى عظمة الله رب العالمين.
وعلماء الكون يتساءلون بشدة هل يوجد عالم غير عالمنا المرئي، وما هي أبعاد الأكوان إن وجدت، إننا لا نراها ولكن ربما تكون موجودة، حقًا إننا لا نرى كل موجود، ولا نبصر كل كائن، ورب العالمين يقول: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)} [الحاقة: 38-40].
من أجل ذلك عجزت الملائكة عن تقدير ثواب هذا الحمد، فالذي يعلم ثوابه هو الله وحده ….. أكرم الأكرمين هو الذي سيتولى العطاء.
فقال الله تعالى: «اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها»
فإذا تولى الكريم سبحانه وتعالى الجزاء والهدية والعطية، فاعلم أنها لا منتهى لها، فتصور لو أن ملكًا من ملوك الدنيا قال لعامله: كافئ فلانًا فإنه قد خدمنا، فإن مكافأة هذا العامل محدودة ولا شك، لكن لو قال العامل لهذا الملك: هل أكافئ فلانًا؟ فقال له الملك: لا، دعه، فأنا سأكافئه، فكيف ستكون الفرحة لدى هذا العامل الذي عمل وخدم هذا الملك قبل أن يقبض الهدية؟
فرحة عظيمة، وقلَّ أن يكون هناك ملك من ملوك الدنيا بخيلًا؛ لأن البخل يتنافى مع الملك، فتصور لو أن ملكًا من ملوك الدنيا كافأ رجلًا من شعبه، فلا بد أن تكون هذه المكافأة عظيمة جدًا.
فضل الدعاء كبير، فحمد الله عز وجل على العديد من النعم هي واحدة من أفضل العبادات التي يتحلى بها المسلم، حيث إن الله عز وجل خصص للحامدون الثواب والجزاء العظيم.
ويعتبر هذا الدعاء هو واحد من الأدعية المميزة جدًا، وذلك لأنها تعني الحمد لله على العديد من النعم التي وهبنا إياها، ولكن يختلف هذا الدعاء عن غيره من الأدعية بأنها يتم فيه حمد الله عز وجل وأيضًا تمجيده، وهذه من الأدعية التي تساعد العبد على التقرب من ربه بشكل أكبر، حيث إن الله عز وجل يحب العبد الذي يقوم بتمجيده وتعظيمه، فهذه تكون واحدة من أفضل العبادات التي جعل الله عز وجل لها الثواب العظيم، والذي يكون لها ثواب من نوع آخر غير العبادات الأخرى المختلفة والمتعددة، ودعاء اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك هو من الأدعية التي حث الرسول الكريم محمد ﷺ بضرورة ترديدها باستمرار من قبل المسلم، وذلك لأنه من الأدعية التي يكون لها الثواب العظيم والكبير.
أما عن الثواب الخاص بدعاء اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك فهو من الأشياء التي يسعى لها الكثير من المسلمين، وذلك لأن الثواب الخاص بهذه الدعاء هو من أنواع الثواب المتميزة، والتي لابد على كل مسلم أن يسعى في طلب الحصول على هذا الثواب العظيم والكبير، حيث روي عن النبي ﷺ بأنه من يردد هذا الدعاء فإن الملائكة لن تتمكن كتابة الثواب والحسنات التي حصل عليها الشخص الذي قام بقول هذا الدعاء.
ولكي يؤتي هذا الذكر ثماره المرجوة في تنمية المحبة لله في القلب، علينا أن نجتهد في مواطأة القلب اللسان وقت الذكر، أو بعبارة أخرى تجاوب المشاعر مع اللسان، والطريقة الميسرة لذلك أن نستفيد من الأوقات التي تستثار فيها مشاعر الحب لله عز وجل كوقت تذكر نعمه المختلفة، وجوانب رحمته ولطفه وشفقته بعباده، وعند رؤية أهل البلاء والنقص.
فعندما نجد انفعالًا وجدانيًا وتأثرًا لمظهر من مظاهر حب الله لعباده، علينا أن نسارع بحمده سبحانه، فيواطئ اللسان القلب، فيزداد التأثير والانفعال، ومن ثم تزداد المحبة أكثر وأكثر.
وصيغ الحمد كثيرة علينا أن نختار منها ما يناسب حالتنا الشعورية.
والطريقة الثانية التي من شأنها أن تجعل الذكر نافعًا هي أن نجتهد قبل الذكر في استثارة مشاعر الحب من خلال التفكر في جوانب حب الله لعباده، فإذا ما تجاوب القلب، وانفعلت المشاعر بدأنا الذكر.
يقول الحسن البصري: إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر، وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا القلوب فنطقت بالحكمة (حلية الأولياء (10/ 19).).