الباقيات الصالحات هن أربع كلمات أوصانا بهن النبي ﷺ، وفيهن أسرار عظيمة وفضائل جليلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس» [أخرجه مسلم (2695)].
لهذه الكلمات الأربع فضائل عظيمة في السنة النبوية المطهرة، منها:
1- أنَّهنَّ أحب الكلام إلى الله: فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله تعالى أربع، لا يضرك بأيّهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [صحيح الجامع (173)].
قال الإمام المناوي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (أحب الكلام إلى الله تعالى) أي المتضمن للأذكار والأدعية (أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) لتضمنها تنزيهه تعالى عن كل ما يستحيل عليه، ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كماله، وانفراده بوحدانيته، واختصاصه بعظمته وقدمه المفهومين من أكبريته.
(لا يضرك) أيها المتكلم بهن في حيازة ثوابهن (بأيهن بدأت) فلا ينقص ثوابها بتقديم بعضها على بعض؛ لاستقلال كل واحد من الجمل، لكن الأفضل ترتيبها هكذا. [التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 40)].
2- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنّهنَّ أحبُّ إليه مما طلعت عليه الشمس؛ أي من الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها.
ويحتمل أن يكون المراد أن هذه الكلمات أحب إليّ من أن يكون لي الدنيا فأتصدق بها، والحاصل أن الثواب المترتب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدق بجميع الدنيا. [تحفة الأحوذي (10/ 40)].
ويحتمل أن يكون المراد أحب إليّ من جمع الدنيا واقتنائها، وكانت العرب يفتخرون بجمع الأموال.
3- عمل يسير وأجر كبير: فعن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: إنِّي قد كبرتُ وضعُفت -أو كما قالت- فمُرني بعمل أعمله وأنا جالسة، قال: «سبّحي اللهَ مائة تسبيحة، فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميده، تعدل لكِ مائة فرس مُسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكَبِّري اللهَ مائة تكبيرة فإنها تعدل لك مائة بدَنة مُقلّدة متقبّلَة، وهلِّلي مائة تهليلة»، قال ابن خلف: أحسبه قال: «تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يُرفع يومئذ لأحدٍ عملٌ إلا أن يأتي بمثل ما أتيتِ به» [السلسلة الصحيحة (1316)].
4- ومن فضائل هؤلاء الكلمات: أنهن مكفِّرات للذنوب: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كُفِّرت عنه ذنوبُه ولو كانت أكثر من زَبَد البحر» [أخرجه أحمد (6479)].
5- ومن فضائل هؤلاء الكلمات: أنهن غرس الجنة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقيت إبراهيم ليلة أُسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [أخرجه الترمذي (3462)].
قال ابن الملك: يعني أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة، فأطلق السبب وأراد المسبب [مرقاة المفاتيح (4/ 1604)].
6- ومن فضائلهن أنه ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام يكثر تكبيره وتسبيحه وتهليله وتحميده، فعن عبد الله بن شداد عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام، يكثر تكبيره، وتسبيحه، وتهليله، وتحميده» [أخرجه النسائي (10606)].
7- ومن فضائلهن: أن الله اختار هؤلاء الكلمات واصطفاهن لعباده، ورتّب على ذكر الله بهن أجورًا عظيمةً، وثوابًا جزيلًا: فعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله كتب له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر فمثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين مِن قِبَل نفسِهِ كُتبت له ثلاثون حسنة، وحُطّ عنه ثلاثون خطيئة» [أخرجه أحمد (8093)].
8- ومن فضائلهن: أنهن جُنّةٌ لقائلهن من النار، ويأتين يوم القيامة مُنجيات لقائلهن ومقدّمات له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُذوا جُنَّتَكم»، قلنا: يا رسول الله، من عدو قد حضر! قال: «لا، جُنَّتُكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدّمات، وهن الباقيات الصالحات» [أخرجه الحاكم (1985)].
والباقيات أي: التي يبقى ثوابها، ويدوم جزاؤها، وهذا خير أمل يؤمله العبد وأفضل ثواب.
9- ومن فضائلهن: أنهن يَنعَطِفْن حول عرش الرحمن ولهن دويٌّ كدوي النحل، يذكرن بصاحبهن؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، يَنعَطِفْن حول العرش لهنّ دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحل، تذكر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون له، أو لا يزال له من يذكر به» [أخرجه ابن ماجه (3809)].
10- ومن فضائلهن: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهن ثقيلات في الميزان، فعن أبي سلمى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بخ بخ -وأشار بيده بخمس- ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيحتسبُه» [أخرجه ابن حبان (833)].
11- ومن فضائلهن: أن للعبد بقول كل واحدة منهن صدقة: فعن أبي ذر رضي الله عنه أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوَ ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وأمرٍ بالمعروف صدقة، ونهيٍ عن منكرٍ صدقة، وفي بُضعِ أحدكم صدقة» [أخرجه مسلم (1006)].
قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجرًا كما للصدقة أجر، وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور، وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام، وقيل معناه أنها صدقة على نفسه. [شرح النووي على مسلم (7/ 91)].
وقد ظن الفقراء أن لا صدقة إلا بالمال، وهم عاجزون عن ذلك، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن جميع أنواع فعل المعروف والإحسان صدقة، وذكر في مقدّمة ذلك هؤلاء الكلمات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
12- ومن فضائلهن: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهن عن القرآن الكريم في حق من لا يحسنه: فعن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فعلمني شيئًا يجزيني، قال: «تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» [أخرجه ابن حبان (1810)].
كانت هذه بعض فضائل هذه الكلمات الأربع، التي بين لنا فيها النبي صلى الله عليه وسلم ثواب المحافظة عليها، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل بها، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
شارك لتعم الفائدة وتغنم أجرًا