حمل المصلي الآن
مدونة المصلي >> تدبرات قرآنية

روائع خواتيم سورة البقرة

روائع خواتيم سورة البقرة
2024‏/07‏/29
56٬388

﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦) ﴾ [البقرة: 285-286]  

حوت هذه الآيات الكثير من المعاني الجليلة، والمقاصد العظيمة، والدلالات الواسعة، ففي صدرها أخبر ربنا جل جلاله أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين قد أقروا بأصول الإيمان العظيمة، بالإيمان باللَّه عز وجل، والاستسلام الكامل له تبارك وتعالى ظاهرًا وباطنًا، وأنهم قد جمعوا بين كمال الإيمان وشمول الإسلام، وفي الإخبار عنهم جميعًا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سياق واحد فضيلة ظاهرة، وشرف عظيم للمؤمنين.

وقد جاءت الأخبار في فضلهما: قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» [صحيح البخاري (5008)، ومسلم (808)]. 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: «هذا باب من السماء فُتِح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته» [رواه مسلم (808)].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما أُسرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم انْتُهِيَ به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يُعرج به من الأرض فيُقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيُقبض منها، قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:16]»، قال: «فَرَاش من ذهب»، قال: «فأُعِطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا: ‌أُعْطِي ‌الصلوات ‌الخمس، ‌وأعطي ‌خواتيم ‌سورة ‌البقرة، ‌وغُفِرَ ‌لمن ‌لم ‌يشرك ‌بالله ‌من ‌أمته ‌شيئًا الْمُقْحِمَاتُ» [صحيح مسلم (173)].

والمعنى: من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات؛ أي: الذنوب العظام.

{وَقَالُوْا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}؛ أي: سمعنا قولك، وفهمنا ما جاءنا من الحق وتيقنّا بصحته، وأطعنا بامتثال أوامرك، واجتنبنا نواهيك.

وهذا إقرار منهم بركني الإيمان اللّذَين لا يقوم إلا بهما، وهما: السمعُ المتضمّنُ للقبول والتسليم، والطاعة المتضمنّة لكمال الانقياد وامتثال الأمر.

{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}: قدموا السمع والطاعة على المغفرة؛ لأن تقدم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول، وفي طلبهم المغفرة لأنهم علموا أنهم لا بد وأن يقع منهم التقصير والنقصان بطبيعتهم البشرية، فإن ذلك من لوازمهم التي لا تنفك عنهم، ثم أقرّوا للَّه تعالى الرجوع والمآب في جميع الأمور الدنيوية والأخروية إليه، ومن أعظمها يوم القيامة.

ولا يخفى في هذه الدعوات جميلُ الأدب، وحسن الاختيار، وجميل الثناء والطلب، الموجب القبول والرضى عند بارئهم تبارك وتعالى.

ولما كمل من ذلك الأدب الجليل، المعبر عن كمال الخضوع والتعظيم، شرعوا في أنواع المطالب والسؤال.

فقالوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}: يا ربنا لا تؤاخذنا إن تركنا فرضًا على جهة النسيان، أو فعلنا الحرام كذلك.

{أَوْ أَخْطَأْنَا}: أي الصواب في العمل، جهلًا منّا بوجهه الشرعي.

وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اللَّه تبارك وتعالى قال: (نعم).

وفي لفظ قال عز وجل: «قد فعلت».

وقد جاء ما يشير إلى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» [سنن ابن ماجه (2045)، وحسنه الألباني].

{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}؛ أي: لا تكلفنا من الأعمال الشاقة، وإن أطقناها، كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والأعباء الشديدة التي كانت عليهم.

{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}: وتكرير لفظ الربوبية في الآيات لإبراز مزيد من الضراعة، الموصل إلى كمال العبادة، المُؤْذِن إلى القبول والإجابة.

أي: لا تحمّلنا من التكليف والمصائب والبلاء ما لا نقدر عليه.

{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦)﴾ {وَاعْفُ عَنَّا}؛ أي: اصفح عنا فيما بيننا وبينك من تقصيرنا وزللنا {وَاغْفِرْ لَنَا}؛ أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تُظهِر على مساوينا وأعمالنا القبيحة. 

(وارحمنا) أي: فيما يُسْتَقبل، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر.

ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره.

{أَنتَ مَوْلَانَا} أي: أنت مالكنا، وسيدنا، وناصرنا.

والمراد بالولاية هنا الولاية الخاصة، وهي ولاية الله عز وجل للمؤمنين، كما قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}، وقال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}.

{فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} أي: الذين جحدوا دينك، وأنكروا وحدانيتك، ورسالة نبيك، وعبدوا غيرك، فانصرنا عليهم، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة، قال الله: نعم، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس: «قال الله: قد فعلت».

• فنعم المولى تبارك وتعالى ونعم النصير لمن عبده وتوكل عليه واعتصم به.

• قال ابن عاشور: «ووجه الاهتمام بهذه الدعوة أنّها جامعة لخيري الدنيا والآخرة؛ لأنّهم إذا نصروا على العدو فقد طاب عيشهم، وظهر دينهم، وسلموا من الفتنة، ودخل الناس فيه أفواجًا» [التحرير والتنوير (3/142)].

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 انشر تؤجر وشاركنا بتعليقاتك.

بحث

الأكثر تداولاً

مقالات متعلقة

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2025 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة

Powered by Madar Software