
آية الكرسي، هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها وردًا للإنسان في أوقاته صباحًا ومساءً وعند نومه وأدبار الصلوات المكتوبات.
فعن أبيّ بن كعب، أن النبيّ ﷺ قال له: «يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله أعظم؟» قال: قلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، قال: فضرب في صدري! قال: «ليهنك العلم يا أبا المنذر». صحيح مسلم.
وعن أبي أمامة، عن رسول الله ﷺ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَاّ أَنْ يَمُوتَ». صحيح الجامع (6464).
كما أن قراءتها حفظ للبيت والنفس من الشيطان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ). صحيح البخاري (3101)
واشتملت هذه الآية العظيمة على خمسة أسماء من أسماء الله الحسنى، هي: الله، الحي، القيوم، العلي، العظيم.
وفي ذكر الله (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) في الآية تحذير من الطغيان على الغير لقوله تعالى ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ ولهذا قال تعالى ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤)﴾ [النساء: 34] فإذا كنت متعاليًا في نفسك فاذكر علو الله تعالى وإذا كنت عظيمًا في نفسك فاذكر عظمة الله تعالى وإذا كنت كبيرًا في نفسك فاذكر كبرياء الله تعالى.
وفيها اسمُ الله الأعظمُ الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى: عن أبي أُمامة يرفعه، قال: «اسمُ الله الأعظمُ الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور: سورة البقرة، وآل عمران، وطه». قال أبو أُمامة: فالتمستها، فوجدتُ في البقرة في آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وفي آل عمران [2]: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وفي طه [111]: {وعنت الوجوه للحي القيوم}. سنن ابن ماجه (3856) ، بسند حسن لغيره.
"فالله هو الذي لا إله إلا هو"، وكل ما يعرفه الضالون من أرباب وآلهة غيره، ضلال في ضلال.
والله- سبحانه- هو الحىّ حياة أبدية سرمدية، لم يسبقه عدم، ولا يلحقه فناء.
والله- سبحانه- هو القيوم، المالك لكل شيء، والقائم على كل شيء، والمهيمن على كل شيء.
والله- سبحانه- منزه عن العوارض التي تعرض للمخلوقات، فلا يعرض له تعب أو كلال، ولا يلحقه سهو أو نسيان، ولا تأخذه سنة ولا نوم، مما يأخذ الناس من جهد العمل.
والله- سبحانه- له ملك السماوات والأرض وما فيهن، يدبرها بحكمته، ويسعها بعلمه.
والله- سبحانه- قد بسط سلطانه على السماوات والأرض، ووسع كرسيه السماوات والأرض.
والله- سبحانه- هو العلى العظيم، الذي لا يطاوله في علوه أحد، ولا يشاركه في عظمته أحد، هكذا يتجلّى الله سبحانه في عظمته وجلاله، وفى حكمته وعلمه، وفى قدرته وحياطته، وفى ملكه وسلطانه- هكذا يتجلّى لمن نظر في هذا الوجود، وهكذا يتجلّى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
كما اشتملت على صفات عدة، منها ما تتضمنه هذه الأسماء، وهي: الإلهية، الحياة، القيومية، العلو، العظمة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
للاستزادة:
تفسير السعدي (ص110)
نوادر الأصول في أحاديث الرسول ﷺ (3/ 265)
التفسير القرآني للقرآن (2/ 316)