صلاة الجماعة مدرسةٌ إيمانيةٌ تُهذِّبُ القلب، وتُربّي المسلم على الطاعةِ والانضباط، وتُجسِّدُ معنى الأخوةِ الإيمانيةِ في أسمى صورها.
ففي صلاة الجماعة يُضاعفُ الأجرُ، ويلتقي الغنيُّ والفقير، والعالمُ والعاميّ، في صفٍّ واحدٍ لا تمايُزَ فيه ولا فُرقة، يُعلنون جميعًا خضوعهم للهِ الواحدِ القهّار، فتذوبُ الفوارقُ الاجتماعية، وتُزرعُ بذورُ المحبّةِ والوَحدةِ في المجتمعِ المسلم.
ومن هنا جاءت صلاةُ الجماعةِ فريضةً عظيمةَ الشأن، تُحيي المساجد، وتُطهّرُ القلوب، وتُصلحُ الأحوال، وتُشيعُ في الأمةِ روحَ التعاونِ والتكافلِ والإيمان.
المقصود بـ صلاة الجماعة
فعل الصلاة في جماعة.
فضلُ صلاة الجماعة
من فضلِ اللهِ على عباده أن جعلَ في صلاة الجماعة أجرًا عظيمًا، ودَرجاتٍ سامية، وأثرًا على الفرد والمجتمعِ. ولذا حث عليها رسول الله ﷺ، وبيَّن فضلها في أحاديث كثيرة.
مضاعفة الأجر في صلاة الجماعة
في صلاةِ الجماعةِ رفعةُ الدرجاتِ، وتكفيرُ السيئاتِ، ومضاعفةُ الأجرِ إلى خمسٍ وعشرينَ درجةً، فهي عبادةٌ تتجاوز حدودَ الفرد إلى فضلٍ جماعيٍّ عظيمٍ يفيضُ على الأمةِ كلّها.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.»
[صحيح البخاري (645)، ومسلم (650)]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً»
[(حسن) سنن أبي داود (560)]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
[صحيح البخاري (615)، ومسلم (437)]
دعاءُ الملائكةِ للمصلين في الجماعة
ما دامَ المصلّي ينتظرُ الصلاةَ في مصلاّه، تُصلي عليه الملائكةُ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ.»
[صحيح البخاري (647)]
فهنيئًا لمن أطالَ الجلوسَ في بيتِ اللهِ منتظرًا مناجاتَه.
اجتماعُ ملائكةِ الليلِ والنهار في صلاةِ الفجر
في صلاةِ الفجرِ يشهدُ العبدُ مشهدًا عظيمًا، حيثُ تجتمعُ ملائكةُ الليلِ والنهارِ في بيتِ الله، يشهدونَ له بالعبادةِ والقيامِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «تَفْضُلُ صَلَاةٌ فِي الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. قَالَ: وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}
[صحيح مسلم (649)]
عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: «دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ».
[صحيح مسلم (656)]
صلاة الجماعة مغفرة للذنوب
من توضّأ فأسبغَ الوضوءَ، ثمّ صلّى المكتوبةَ مع الجماعةِ في المسجدِ، غفرَ الله له ذنوبَه، فالصلاةُ في جماعةٍ ليست فضلًا فحسب، بل هي مغفرةٌ ورحمةٌ من الله.
عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: «تَوَضَّأَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمًا وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ».
[صحيح مسلم (232)]
الأجرُ العظيمُ لمن كان بعيد الممشى إلى صلاة الجماعة حتى يصلي مع الإمام
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ.»
[صحيح البخاري (651)، ومسلم (662)] وفي لفظ لمسلم: حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ! قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ.»
[صحيح مسلم (665)]
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ، أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ». وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قَالَ: خُطَاهُمْ.
[صحيح البخاري (655)]
الوعيدُ الشديدُ لتاركي صلاة الجماعة وتهاونِهم بها
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ. وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا» - يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءِ
[صحيح البخاري (644) ومسلم (651)]
في هذا الحديثِ الشريفِ يظهرُ شدَّةُ اهتمامِ النبيِّ ﷺ بصلاةِ الجماعة، حتى همَّ -وهو الرؤوفُ الرحيمُ- أن يُعاقبَ المتخلِّفين عنها؛ لما في تركِها من استخفافٍ بشعائرِ الإسلام، وحرمانٍ من الأجرِ العظيمِ الذي أعدَّه اللهُ للمصلِّين في بيوتِه.
وفي قوله ﷺ: «ولو علم أحدُهم أنه يجدُ عظمًا سمينًا لشهدها» توبيخٌ بليغٌ، إذ يُبيّنُ أنَّ بعضَ الناسِ يُحرِّكهم طمعُ الدنيا، ولا تُحرِّكهم طاعةُ الله!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ.»
[صحيح البخاري (657)]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بن مسعود: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ. إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ».
[صحيح مسلم (654)]
عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟، قَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً»
[(حسن صحيح) سنن أبي داود (552) وسنن ابن ماجه (792)]
حكم صلاة الجماعة للرجال
اختلف أهلُ العلمِ في حكمها على أقوالٍ ثلاثٍ رئيسيّة:
القول الأول:
صلاة الجماعة واجبة وجوبا عينيا على الرجال، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، ووجه عند الشافعية، وهو قول طائفة من السلف، اختاره البخاري، وابن المنذر، وابن حزم، وابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين
قال الله تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك [النساء: 102]
والدلالة من وجهين:
الوجه الأول: أنه تعالى أمرهم بصلاة الجماعة معه في صلاة الخوف، وذلك دليل على وجوبها حال الخوف، وهو يدل بطريق الأولى على وجوبها حال الأمن
الوجه الثاني: أنه سن صلاة الخوف جماعة، وسوغ فيها ما لا يجوز لغير عذر، كاستدبار القبلة، والعمل الكثير، ومفارقة الإمام قبل السلام، والتخلف عن متابعة الإمام، وهذه الأمور تبطل الصلاة لو فعلت لغير عذر، فلو لم تكن الجماعة واجبة، لكان قد التزم فعل محظور مبطل للصلاة؛ لأجل فعل مستحب مع أنه قد كان من الممكن أن يصلوا وحدانا صلاة تامة؛ فعلم أنها واجبة
القول الثاني:
فرضُ كفايةٍ، أي: يُوجب على الجماعةِ أن تُقام ولكن لا يكون كلّ فردٍ آثمًا إذا تركها إن قام بها غيره، وهو مذهبُ جمهور المالكية والشافعية.
القول الثالث:
سنةٌ مؤكّدةٌ.
الراجِح:
بأن صلاة الجماعة للرجال القادرين واجبٌ على الأقلّ فرضُ كفايةٍ، وعلى الفرد أن يسعى إليها ويبادرها.
سقوطُ الجماعةِ بالأعذار وبيانُ حكمِ تركِها
قال النووي: «قال أصحابنا تسقط الجماعة بالأعذار سواء قلنا إنها سنة أم فرض كفاية أم فرض عين لأنا وإن قلنا إنها سنة فهي سنة متأكدة يكره تركها كما سبق بيانه فإذا تركها لعذر زالت الكراهة وليس معناه أنه إذا ترك الجماعة لعذر تحصل له فضيلتها بل لا تحصل له فضيلتها بلا شك وإنما معناه سقط الإثم والكراهة»
[المجموع شرح المهذب (4/ 203 ط المنيرية)]
بيَّن الإمامُ النوويُّ رحمه اللهُ تعالى أنَّ صلاة الجماعة –على اختلافِ القولِ في حكمها بينَ الفرضِ والسُّنَّةِ المؤكَّدة– لا تسقطُ إلا بعذرٍ شرعيٍّ معتبرٍ، كمرضٍ، أو مطرٍ شديدٍ، أو خوفٍ، أو نحوِ ذلك.
فإذا وُجِدَ العذرُ زال الإثمُ والكراهةُ عن تاركِ الجماعةِ، لكنَّه لا يُدركُ أجرَها ولا فضلَها؛ لأنَّ الفضلَ مخصوصٌ بمن شهدها في المسجد.
وهذا من دقَّةِ فقهِ العلماء في التفريق بين سقوطِ الإثم وسقوطِ الأجر، إذ إنَّ سقوطَ الإثمِ لا يعني مساواةَ من صلَّى في بيته بمن حضرَ الجماعةَ في بيتِ الله.
حكم صلاة الجماعة للنساء
يستحب للنساء أن يصلين جماعة مع بعضهن البعض، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، وبه قالت طائفة من السلف، واختاره ابن حزم، وابن القيم، واختاره ابن باز.
عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي شَهَادَةً، قَالَ: «قَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ»، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ، قَالَ: وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا، فَأَذِنَ لَهَا.
[(حسن) سنن أبي داود (591)] «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَنَا رَأَيْتُ مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا»
[(حسن) سنن أبي داود (592)]
تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، أي تصلي بهم؛ لأنها كانت قد قرأت القرآن الكريم، واختلف في المقصود بأهل دارها، والأقرب أن المراد أهل دارها من النساء والإماء، ودل هذا الحديث على أن إمامة النساء وجماعتهن صحيحة.
من الآثار
1- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (أنها أمت النساء في صلاة المغرب، فقامت وسطهن وجهرت بالقراءة)
2- عن حجيرة بنت حصين، قالت: (أمتنا أم سلمة أم المؤمنين في صلاة العصر، وقامت بيننا)
وجه الدلالة:
أن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أمتا جماعة من النساء؛ فدل ذلك على استحباب الجماعة للنساء
ثالثا: أنهن من أهل الفرض، فأشبهن الرجال.
أقلُّ عدد تنعقد به صلاة الجماعة
اتفق الفقهاء على أن أقل عدد تنعقد به الجماعة اثنان، وهو أن يكون مع الإمام واحد، فيحصل لهما فضل الجماعة:
عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: «أَتَى رَجُلَانِ النَّبِيَّ ﷺ يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
[صحيح البخاري (630)]
أين تُقام صلاة الجماعة؟
تجوز إقامة صلاة الجماعة في أي مكان طاهر، في البيت أو الصحراء أو المسجد، لقول النبي ﷺ: «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ»
[صحيح البخاري (335)، ومسلم (521) من حديث جابر]
إلا أن الجماعة للفرائض في المسجد أفضل منها في غير المسجد، لحديث زيد ابن ثابت أن النبي ﷺ قال: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ».
[صحيح البخاري (731)، ومسلم (781)]
ولأن إقامتها في المسجد فيه إظهار الشعائر وكثرة الجماعة، ولأن بإقامتها يحصل له فضل المشي إلى المسجد، وغيره من الفضائل.
من حكم صلاة الجماعة في المسجد ما يلي:
1-زرع المودة والمحبة بين المسلمين، مع كونها وسيلة للتعارف فيما بينهم، هذه الشعائرَ تُعلّمُ التعاونَ والتراحمَ، وزوالَ العزلةِ الروحيةِ، والشعورَ بانتماءِ الجماعةِ التي قال عنها ﷺ: «ما من ثلاثةٍ في قريةٍ أو بدو لا تُقامُ فيهم الصلاةُ إلا استحوذ عليهم الشيطان.
2- إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام.
3- تعويد الأمة الإسلامية على الاجتماع، وعدم التفرق. واتصال المسلم بإخوانه واجتماعه بهم وخاصة في بلاد الغربة من أعظم ما يساعد على الحفظ من غوائل الشيطان.
4- تعويد المسلم على ضبط النفس؛ فمتابعة الإمام في الصلاة يدربه على ضبط النفس.
5- شعور المسلمين بالمساواة.
6- تفقد أحوال المسلمين من الفقراء والمرضى؛ لمساعدتهم، والمتهاونين في الصلاة لنصحهم، والجاهلين بأحكام الصلاة؛ لتعليمهم. والنُّصحِ والتعاونِ بين أهلِ المسجدِ.
7- زيادة نشاط المسلم واجتهاده في العبادة إذا رأى المجتهدين من المسلمين في العبادة.
8- اجتماع المسلمين في أوقات معينة يربيهم على المحافظة على الأوقات.
توصياتٌ دعويةٌ
• احرصْ على الصفِّ الأوّلِ إن استطعت.
• تدارسْ مع زملائِك في المسجدِ أهدافَ صلاةِ الجماعةِ، وانطلقوا بدعوةٍ جماعيّةٍ تُحيي المساجدَ وتُوَسِّع صِلاتها.
• تجاوزْ مجرد الحضور، وركّزْ على الخشوعِ والذكرِ بعد الصلاةِ، فإنها من مقاصد الجماعةِ: اجتماعُ القلوبِ على الخيرِ.
فلا تكن من المتأخّرينَ عن الجماعةِ بغير عذرٍ مقبولٍ، فإنَّ من تركها حُرِمَ كثيرًا من الفضل.
وختامًا
شارك هذه الفائدة مع إخوانك، وكن سببًا في إحياء الهمم. ولا تنسَ أن تترك تعليقًا بدرسٍ استفدته، فالدالّ على الخير كفاعله.
«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هل انتفعت بالفائدة
______
للاستزادة








share facebook
share whatsApp
share twitter
share telegram
copy