قد يرى المسلم في رؤياه ما يزعجه، بل ما يمرضه، فكيف يدفع أذاها؟ هنا أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى عدة أمور تدفع بإذن الله ضرر هذه الرؤيا.
عن أَبي سَلَمَةَ قال: «لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ.». [صحيح البخاري (7044)، مسلم (2261)]
عن أبي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ.» وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَمَا أُبَالِيهَا. [صحيح البخاري (5747)، ومسلم (2261)] فجعل الله الاستعاذة منها مما يرفع أذاها. [تفسير القرطبي 9/ 128]
الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح. ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، وتضم لام الحلم وتسكن. [النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 434)]
وقال ابن حجر: إن تخصيص الرؤيا بكونها من الله، والحلم من الشيطان تصرف شرعي، وإن كان في الأصل لما يراه النائم.
والمعنى: أن (الرؤيا) الصالحة بشرى (من الله) تعالى يبشر بها لمن رآها أو رؤيت له، أو تحذير وإنذار له عما لا يصلح له.
والحلم تخويف من الشيطان؛ يعني: هو ما يلقيه الشيطان مما يُهوِّل. أو يُخوِّف أو يحزن به. فلا يحدث به الناس.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ! قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ.». [صحيح مسلم (2268)]
«يحكى أن شريك بن عبد الله القاضي دخل على المهدي، فلما رآه؛ قال: علي بالسيف والنطع، قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي وأنت معرض عني، فقصصت رؤياي على من عبرها، فقال لي: يظهر لك طاعة ويضمر معصية. فقال له شريك: والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام، ولا أن معبرك بيوسف الصديق عليه السلام، فبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ فاستحيا المهدي، وقال: اخرج عني، ثم صرفه وأبعده». [الاعتصام للشاطبي (1/ 334)].
"وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه بقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأى) أي: حَلَم (أحدكم) في نومه (شيئًا يكرهه) ويحزنه ويخوفه. قوله: "فليبصق عن يساره وليتعوذ" هذا دواء ما يكرهه من قبح الرؤيا وأنها لا تضر، أي: لا يصيبه ما يكرهه منها.
وفي رواية مسلم زيادة: (فإنها) أي: تلك الرؤية (لن تضره) بوقوع ضرر عليه؛ معناه: أنه تعالى جعل هذا سببًا لسلامته من مكروه يترتب؛ كما جعل الصدقة وقايةً للمال وسببًا لدفع البلاء.
(وليتحول) أي: ولينتقل (عن جنبه الذي كان) مضطجعًا (عليه) إلى جنب آخر.
فإذا استعاذ الرائي منه صادقًا في التجائه إلى الله تعالى، وبصق عن يساره ثلاثًا، وتحول عن جنبه الذي كان ينام عليه أولًا؛ كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى ركعتين. أذهب الله عنه ما أصابه وما يخافه من مكروه ذلك، ولم يصبه منه شيء ببركة صدق الالتجاء إلى الله تعالى وامتثال أوامره صلى الله عليه وسلم، وكان فعل هذه الأمور كلها مانعًا من وقوع ذلك المكروه». [ينظر شرح سنن ابن ماجه للهرري (23/ 197/ 198)].
عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.». [صحيح مسلم (2262)]
وحاصل ما ورد في الأحاديث من آداب الرؤيا المكروهة ستة:
الأول: أن يتعوذ بالله تعالى من شرها.
والثاني: أن يتعوذ بالله تعالى من الشيطان.
والثالث: أن يتفل عن يساره ثلاثًا.
والرابع: ألا يذكرها لأحد أصلًا.
والخامس: أن يقوم الرجل فيصلي ركعتين، وقد ورد عن أبي هريرة مرفوعًا: «فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ». [صحيح البخاري (7017)]
والسادس: أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه.
وهذه الآداب الستة مذكورة في الأحاديث المختلفة.
قال النووي رحمه الله تعالى: فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها.. وإن اقتصر على بعضها.. أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
شارك الفائدة مع إخوانك، وتذكر أن الدال على الخير كفاعله.