عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: «يا عبد الله بن قيس». قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة»، قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» [أخرجه البخاري (4205)].
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذ: هُدِيت، وكُفِيت، ووُقِيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدِي وكُفِي ووُقِي؟» [أخرجه أبو داود (5095)].
وعن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، قال: فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت، فضربني برجله وقال: «ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟» قلت: بلى؟ قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» [أخرجه الترمذي (3581)].
قال مكحول: «من قالها كُشِف عنه سبعون بابًا من الضر، أدناها الفقر».
ومعنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي: لا تحول للعبد عن معصية الله، ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله، أو كما رُوِي عن ابن مسعود رضي الله عنه: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله.
وعن سفيان الثوري قال: «أتدرون ما تفسير: لا حول ولا قوة إلا بالله؟ يقول: لا يُعطِي أحدٌ إلا ما أعطيتُ، ولا يَقي أحدٌ إلا ما وقيتُ» [حلية الأولياء (7/ 10)].
ورُوِي عن علي بن أبي طالب تفسيرٌ آخر، قال: تفسيرها: إنا لا نملك مع الله شيئًا، ولا نملك من دونه شيئًا، ولا نملك إلا ما ملَّكنا مما هو أملك به منا. [شرح صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 140)].
قال النووي: «هي كلمة استسلام وتفويض، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا، وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى» [فتح الباري، لابن حجر (11/ 501)].
ففي هذه الكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) إظهار الفقر إلى الله تعالى بطلب المعونة على ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبودية.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم معلمًا لأمته، وكان لا يراهم على حالة من الخير إلا أحبّ لهم الزيادة عليها؛ فأحب للذي رفع صوته بكلمة الإخلاص والتوحيد أن يردفها بالتبرؤ من الحول والقوة لله تعالى، وإلقاء القدرة إليه، فيكون قد جمع مع التوحيد الإيمان بالقدر.
قال الرازي: «وأما قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهو غير مذكور في القرآن صريحًا، لأنه من كنوز الجنة، والكنز يكون مخفيًا ولا يكون ظاهرًا» [مفاتيح الغيب (1/ 243)].
والمعنى أنها من الكنوز المعنوية العرشية، وذخائر الجنة العالية العلوية، لا من الكنوز الفانية الحسية السفلية، وقال ابن حجر: أي: كلمة أنزلت من الكنز الذي تحت العرش، وقد سبق أن تحته كنزًا، وأن أواخر البقرة نزلت من ذلك الكنز، وهي أيضًا من كنز الجنة. [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1608)].
شاركها مع أحبابك ودلهم على الخير.