علمنا الحبيب ﷺ أفضل ما ندعو به في العشر الأواخر من رمضان، وفي ليلة القدر خاصة؛ وذلك لنفوز بثواب هذه الليلة العظيمة.
فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». سنن الترمذي (3513)، بسند صحيح.
ولقد أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «سَلِ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، ثُمَّ أَتَاهُ الْغَدَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «سَلِ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ». صحيح الأدب المفرد (637 /496).
وأيضًا أتاه رجل فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: «قُلْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي «وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلَّا الْإِبْهَامَ» فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ». صحيح مسلم (2697).
فاسألوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، والزموا هذا الدعاء في هذه الليالي المباركة.
فإن لهذا الدعاء في أعظم ليلة بعمر الإنسان، أسرار جميلة ومذهلة.
العفو يتضمن معنيين:
المعنى الأول: أنه الذي يعفو عن السيئات بمحوها، والتجاوز عنها، وعدم المؤاخذة بها يوم القيامة، فكأنها لم تكن أصلًا.
أما المعنى الثاني: أنه جلَّ في علاه يستر على المذنب ذنبه ويغفره، فلا يطلع عليه أحد.
فالعفو ستر في الدنيا وستر في الآخرة!
وهذا من جميل كرمه أنه يتجاوز عن السيئات، وأنه يمحوها، وأنه أيضًا لا يفضحك بها؛ بل يسترك، وهذا تكرار فضل، وتكرار إنعام على العبد.
ثم قال: «تحب العفو»: هذا دعاءٌ وتوسلٌ إلى الله عز وجل بفعله، وهو أنه يحب العفو جلَّ في علاه؛ ولذلك يُثيب على العفو، ويعطي عليه عطاءً جزيلًا.
وبعد هذا قال: «فاعفُ عني»، أي: فتجاوز عني سَيء عَملي، والسيء من العمل هنا يشمل نوعين من الأعمال:
النوع الأول: ترك الواجبات، فإن ترك الواجبات سيءٌ يتطلب عفوًا ومغفرةً، وكذلك التقصير فيها.
والثاني من العمل الذي يندرج في السيئات: انتهاك الحرمات.
والعبد في هذا الشهر الكريم قد أتى بقربات وطاعات وقد تغتر النفس؛ فتظن أنها قد أعطت لله تعالى حقه من الصوم والقيام والذكر، لكنها حين تتفكر في دعاء ليلة القدر تجد أن هذا الدعاء يحمل معنى الانكسار من عبد مليء بالعيوب والتقصير في حق ربه عز وجل، فهو يتوسل إلى ربه باسمه العفُوّ ليكون أرجى في نيل المغفرة والعفو والرحمة.
فاستحضر هذه المعاني وأنت تدعو بهذا الدعاء، عسى أن يغفر المولى عز وجل الذنوب ويستر العيوب، ويجبر خلل الطاعات ويرفع الدرجات.
«اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»
شارك الفائدة مع أحبابك، وذكرهم بهذا الدعاء العظيم.