مدونة المصلي >> أخرى

ملحمة سقوط عكا!

ملحمة سقوط عكا!
2019‏/02‏/20
1٬841

تعتبر الحملة الصليبية الثالثة أشهر وأشرس الحملات الصليبية على بلاد الإسلام وذلك لعدة أسباب منها:

1ـ أنها الحملة التي جاءت بعد تحرير بيت المقدس وانتصار حطين العظيم.

2ـ اشتراك معظم ملوك أوروبا الغربية في هذه الحملة.

3ـ الحملة الدعائية الكبيرة التي قام بها الرهبان والقساوسة من أجل حشد النصارى في أوروبا لهذه الحملة.

4ـ ملحمة الصمود الكبرى التي أبداها المسلمون في الدفاع عن «عكا» والتي استمرت ثلاث سنوات، والمعارك والمواقف الخالدة التي وقعت أثناء هذه الملحمة الباسلة.

تبدأ أحداث هذه الملحمة عقب تحرير بيت المقدس، وفتح كثير من القلاع والمدن في الساحل، وكان صلاح الدين كلما فتح بلدًا أو حصنًا أعطى أهله الأمان وسيّرهم إلى «صور»، وكانت مازالت بقبضة الصليبيين، فقوي جمعهم هناك، وراسل أمير صور الصليبي أمراء وملوك أوروبا لنجدة الوجود الصليبي بالشام وإنقاذ بيت المقدس، وأثمرت الحملة الدعائية الواسعة في أوروبا عن اشتراك أعداد ضخمة من النصارى، حتى أن الواحد منهم كان يبيع كل ما يملك ويهجر أهله وعياله ويتجه إلى صور، حتى تكاثرت أعداد القادمين وضاقت بهم «صور» فقرروا التوجه إلى عكا لفتحها ونزلوا عليها في 8 رجب 585هـ وضربوا عليها الحصار.

عندما وصلت الأخبار لصلاح الدين أراد الهجوم الشامل عليهم، ولكن أمراءه أشاروا عليه بالمسايرة لكثرة أعداد النصارى، وفي يوم 21 شعبان سنة 585هـ اشتبك المسلمون مع الصليبيين في معركة عنيفة حول «عكا» انتصر فيها المسلمون بعد عناء وشدة وقتل ألوف من العدو، وجافت الأرض من نتن قتلاهم وتغير الهواء وانتشر الوباء، فتحول صلاح الدين ومن معه من موقعهم إلى مكان أبعد، وكان هذا التحول من أكبر مصالح العدو الصليبي الذي قوى دفاعاته وشدد حصاره على المدينة، ولكنهم في نفس الوقت أرسلوا باستغاثات عاجلة لملوك أوروبا.

بدأ ملوك أوربا في التوافد، وكان أول من خرج ملك الألمان «بربروسا» الذي اصطحب معه ثلاثمائة ألف مقاتل وفي نيته تدمير بلاد الإسلام كلها، ولكن الله عز وجل أخذه أخذ عزيز مقتدر، إذ دعته نفسه الشريرة للسباحة في نهر سريع الجريان في وسط الأناضول فغرق فيه، وتشتت شمل جنوده، ولم يصل منهم إلى عكا سوى أربعين ألفًا، أرادوا إثبات وجودهم فاشتبكوا مع المسلمين في 20 جمادى الآخرة 586هـ ولكنهم هزموا هزيمة أتت على بقيتهم الباقية، ورغم تشديد الحصار فإن المسلمين قد استطاعوا إدخال المؤن والأموال مع أحد أبطال الإسلام وهو «عيسى العوام» الذي استشهد في هذه المهمة.

كان لوصول «ريتشارد قلب الأسد» ملك إنجلترا و«فليب أوغسطس» ملك فرنسا في إمدادات كبيرة تأثير كبير في تغيير دفة القتال، وحاول صلاح الدين طلب المساعدة من باقي ملوك المسلمين، فوجدهم للأسف الشديد مشغولين ببعضهم البعض فهذا يقاتل هذا، وذلك مشغول بفتنة داخلية وهكذا.

أحكم الأسطول الإنجليزي قبضته على عكا وشدد عليها الحصار، فلم يستطع المسلمون إدخال أي مؤن أو مساعدات للمدينة، وحاول الصليبيون اقتحام المدينة ولكن أهلها استبسلوا في الدفاع عنها وقتلوا من قادة الصليبيين ستة، فازداد حنق الصليبيين على أهل المدينة، وحاول أمير المدينة «أحمد بن المشطوب»، التفاوض مع الصليبيين على الصلح ولكنه لم يصل لشيء ونفدت المؤن من المدينة.

ازدادت الأوضاع سوءًا في المدينة وصابر أهلها مصابرة عجيبة، وفي النهاية توصل صلاح الدين لخطة يقوم بها بإخلاء سكان المدينة تحت جنح الليل في موعد محدد، ولكن الخطة فشلت لأن بعض نصارى المدينة قد أخبروا الصليبيين بالخطة، وهكذا تكون وطنية أهل الذمة!

عندما فشلت الخطة أرسل صلاح الدين لملوك الصليبيين يطلب منهم الأمان لأهل عكا على أن يبذل لهم من الأسرى ما يماثل عددهم، ولكن الصليبيين رفضوا وأصروا على إطلاق جميع الأسرى واستعادة بيت المقدس وكل ما حرره صلاح الدين من سواحل الشام، وعندما علم أهل عكا بهذه الشروط المجحفة أرسلوا إلى صلاح الدين قائلين: «يا مولانا لا تخضع لهؤلاء الملاعين الذين قد أبوا عليك الإجابة إلى ما دعوتهم فينا، فإنا قد بايعنا الله على الجهاد حتى نقتل عن آخرنا والله المستعان».

وفي يوم الجمعة 17 جمادى الآخرة سنة 587هـ اقتحم الصليبيون المدينة وارتكبوا فيها مجزرة فظيعة وانتهكوا الحرمات والأعراض وجمعوا الأسرى وكانوا ثلاثة آلاف أسير في صعيد واحد، ثم قطعوهم بالسيوف رحمهم الله، ولقد كانت مدة إقامة صلاح الدين على عكا صابرًا مصابرًا مرابطًا مدة سبعة وثلاثين شهرًا، وفصول هذه الملحمة كثيرة ورائعة اختصرناها خشية الإطالة والملل، وإلا فهي من الروعة بمكان يقتضي على المسلمين مراجعتها في مصادرها الأصلية.

ellipse
loading

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2022 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة