مدونة المصلي >> واحة الذكر

أفضل ما ينطق به لسانك

أفضل ما ينطق به لسانك
2024‏/07‏/29
34٬183

إن أفضل ما ينطق به اللسان ويتحرك به الجنان ذكر الله تعالى، من التسبيح والتحميد والتهليل وتلاوة كتاب الله العظيم، إذا صاحب ذلك الإيمان الصادق والإخلاص لله رب العالمين، ويستحضر عظمة الله وقدرته. 
قال الله تعالى: {‌الَّذِينَ ‌يَذْكُرُونَ ‌اللَّهَ ‌قِيَامًا ‌وَقُعُودًا ‌وَعَلَى ‌جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]. ويقول تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٣٥)} [الأحزاب: 35]. وقال تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ ‌كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)} [الجمعة: 10] 
أمر الله تعالى بكثرة ذكره، وذلك لشدّة حاجة العبد وافتقاره إليه سبحانه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأيُّ لحظة خلا فيها العبدُ عن ذِكر الله تعالى كان خسرانه فيها أعظمَ ممّا ربح، وندم على ذلك ندمًا شديدًا عند لقاء الله. 
بيَّن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى منزلة الذكر، نذكر هنا بعض عباراته.
يقول رحمه الله: «هي منزلة القوم الكبرى، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، و‌‌الذكر عبودية القلب واللسان، وكما أن الجنة قيعان وهو غراسها، فكذلك القلوب بور خراب وهو عمارتها وأساسها. 
زين الله به ألسنة الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين، فاللسان الغافل كالعين العمياء والأذن الصماء واليد الشلاء.
وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته. [مدارج السالكين (2/ 295-296) بتصرف].
ويكفي في شرف الذكر أن الله يباهي ملائكته بأهله، كما في صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم؟»، قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا، قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟»، قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة» [صحيح مسلم (2701)].
وعن الأغر أبي مسلم أنه قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» [صحيح مسلم (2700)].
والسنة مليئة بالأحاديث الدالة على فضل الذكر، ورفيع قدره، وعلو مكانته، وفوائده، وأنه خير الأعمال وأفضلها عند الله تبارك وتعالى.
عن أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «‌ألا ‌أنبئكم ‌بخير ‌أعمالكم، ‌وأزكاها ‌عند ‌مليككم، ‌وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم»؟ قالوا: بلى، قال: «ذكر الله تعالى» قال معاذ بن جبل: «ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله» [سنن الترمذي (3377) وصحيح الجامع (2629)].
والذاكرون هم أهل السبق؛ قال ابن القيم: «عمال الآخرة كلهم في مضمار السباق، والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار، ولكن القترة والغبار يمنع من رؤية سبقهم، فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قصب السبق» [الوابل الصيب، ص78].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سبق المفردون»، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات» [صحيح مسلم (2676)] والمفردون: إما الموحدون، وإما الآحاد الفرادى. [مدارج السالكين (3/ 214)].
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: «يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة» [رواه مسلم (2698)]. 
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» [رواه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3793)، وصححه الألباني].
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت»، ولفظ مسلم: «مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت» [رواه البخاري (6407)، ومسلم (779)]. 
فجعل بيت الذاكر بمنزلة بيت الحي، وبيت الغافل بمنزلة بيت الميت وهو القبر، وفي اللفظ الأول جعل الذاكر بمنزلة الحي، والغافل بمنزلة الميت، فتضمن اللفظان أن القلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء، والغافل كالميت في بيوت الأموات، ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم، وقلوبهم فيها كالأموات في القبور، كما قيل:
فنسيانُ ذكرِ الله موتُ قلوبهم … وأجسامُهم قبلَ القبورِ قبورُ. [مدارج السالكين (3/ 217)].
 الذكر يوجب صلاة الله عز وجل ‌وملائكته ‌على ‌الذاكر، ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز، قال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) ‌وَسَبِّحُوهُ ‌بُكْرَةً ‌وَأَصِيلًا (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣)} [الأحزاب: 41-43] فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور.
فأي خير لم يحصل لهم، وأي شر لم يندفع عنهم؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله، وبالله التوفيق. [الوابل الصيب، ص72].
اللهم أعنا على ‌ذكرك، ‌وشكرك، وحسن عبادتك، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
شارك لتعم الفائدة.

مقالات متعلقة

2024‏/04‏/14
39٬962

حال المؤمن بعد رمضان

ها هو رمضان قد ارتحل، حل علينا ضيفًا كريمًا، ثم انقضت أيامه ولياليه، فهل استفدنا من هذه البركات؟ هل غفر الله لنا الذنوب والسيئات، هل أعتق الله رقابنا من النيران، هل استفدنا من أبواب الجنة المفتحة في رمضان فتعلقت بها قلوبنا، وأخذنا بأسباب الوصول إليها ودخولها، بالحرص على الطاعات والتنافس في القربات، وهل أنت من أهل الصلاة لتدخل من باب الصلاة؟

2024‏/07‏/29
38٬650

فضائل وهِبات الباقيات الصالحات

الباقيات الصالحات هن أربع كلمات أوصانا بهن النبي ﷺ، وفيهن أسرار عظيمة وفضائل جليلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس» [أخرجه مسلم (2695)].

2024‏/07‏/29
36٬076

كنز من كنوز الجنة

كان النبي ﷺ معلمًا لأمته، وكان لا يراهم على حالة من الخير إلا أحبّ لهم الزيادة عليها؛ فأحب للذي رفع صوته بكلمة الإخلاص والتوحيد أن يردفها بالتبرؤ من الحول والقوة لله تعالى، وإلقاء القدرة إليه، فيكون قد جمع مع التوحيد الإيمان بالقدر.

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2022 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة