مدونة المصلي >> إيمانيات

أفضل ما تدعو به في صلاتك

أفضل ما تدعو به في صلاتك
2024‏/04‏/28
50٬528

عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله ﷺ: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي. قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ‌ولا ‌يغفر ‌الذنوب ‌إلا ‌أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» [صحيح البخاري (834)، ومسلم (2705)]. 
هذه التربية النبوية التي تحدُّ مِن استعلاء العبد، وتجعله دائم الافتقار لربه، دائم الانكسار بين يديه، مستحضرًا ذنوبه بين عينيه، وإذا كانت هذه هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه، وهو مَنْ هو فضلًا وإمامةً وجلالة ونصرةً لدينه وذبًّا عن نبيه؛ فكيف يكون حالنا ونحن المذنبون المفرطون. 
والدعاء ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته.
والثاني: أن تسأله بحاجتك وفقرك وذُلِّك، فتقول: أنا العبد الفقير المسكين البائس الذليل المستجير، ونحو ذلك.
والثالث: أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحدًا من الأمرين.
فالأول أكمل من الثاني، والثاني أكمل من الثالث، فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل، وهذه عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الدعاء الذي عَلَّمه صديق الأمة رضي الله عنه ذكر الأقسام الثلاثة. [جلاء الأفهام، ص155 بتصرف].
فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه عز وجل بفضله وجوده، وأنه المنفرد بغفران الذنوب، ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معًا، فهكذا أدب الدعاء وآداب العبودية. [الوابل الصيب، ص91].
وقوله: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا»: فيه أن الإنسان كثير التقصير، وإن كان صدِّيقًا؛ لأن النعم عليه كثيرة، وقوته لا تطيق بأداء أقل القليل من شكرها، بل شكره من جملة النعم أيضًا، فيحتاج إلى شكر هو أيضًا، فما بقي له إلا العجز والاعتراف بالتقصير الكثير، وقُدِّم هذا الاعتراف على سؤال المغفرة تأدُّبًا. [الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، ص327].
وقوله: «لا يغفر الذنوب إلا أنت» إقرار بوحدانية الله تعالى، واستجلاب لمغفرته بهذا الإقرار.
فإن قال قائل: ما معنى قوله: «مغفرة من عندك»؟ وهل تكون المغفرة إلا من عنده؟ فالجواب أن المعنى: هب لي الغفران بفضلك وإن لم أكن أهلًا له بعملي.
والأحسنُ أن يكون إشارةً إلى طلب مغفرة متفضَّل بها من عند الله، لا يقتضيها سببٌ من العبد من عملٍ حسن، فهي رحمةٌ من عنده بهذا التفسير، ليس للعبد فيها سبب، وهذا تبرؤ من الأسباب والإدلالِ بالأعمال.
«إنك أنت الغفورُ الرحيمُ»: صفتان ذُكرتا ختمًا للكلام على جهة المناسبة لما قبله، فالغفورُ مناسب لقوله: "فاغفرْ لي"، والرحيمُ مقابل لقوله: "ارْحَمْني"، وقد جُعل الأولُ هنا للأول، والثاني للثاني. [مصابيح الجامع، بدر الدين الدماميني (9/ 396)].
وهذا الدعاء من الجوامع؛ لأن فيه الاعتراف بغاية التقصير، وطلب غاية الإنعام، فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها، والرحمة إيصال الخيرات، ففي الأول طلب الزحزحة عن النار، وفي الثاني طلب إدخال الجنة، وهذا هو الفوز العظيم. [الحرز الثمين للحصن الحصين، الملا علي القاري (2/ 782)].
وقد استحب بعض العلماء أن يُدعَى بهذا الدعاء في الصلاة قبل التسليم، والصلاة كلها عند علمائنا محل للدعاء، غير أنه يكره الدعاء في الركوع، وأقربه للإجابة: السجود. [المفهم، للقرطبي (7/ 33)].
وقال النووي رحمه الله تعالى: «وهذا الدعاءُ وإن كان ورد في الصلاةِ، فهو حسنٌ نفيسٌ صحيحٌ، فيُستحب في كل موطنٍ؛ وقد جاء في رواية: "وفي بيتي". أي: أدعُو به في صلاتي وبيتي». [الأذكار، للنووي، ص615].
قال الطبري: في حديث أبى بكر من الفقه أن للمصلى أن يدعو الله في جميع صلواته بما بدا له من حاجات دنياه وآخرته، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم علم أبا بكر مسألة ربه المغفرة لذنوبه في صلاته، وذلك من أعظم حاجات العبد إلى ربه، فكذلك حكم مسألته إياه سائر حاجاته. [شرح صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 92)]
نسأل الله تعالى أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين، وأن يجعلنا من أهل طاعته ورضاه، وأن يثبت قلوبنا على دينه، هو ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
 

مقالات متعلقة

2024‏/04‏/18
37٬898

فضائل وهِبات الباقيات الصالحات

الباقيات الصالحات هن أربع كلمات أوصانا بهن النبي ﷺ، وفيهن أسرار عظيمة وفضائل جليلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس» [أخرجه مسلم (2695)].

2024‏/04‏/21
39٬886

دعاء تثبيت القلوب

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]. فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد تضمنت سؤال المؤمنين ربهم تثبيت الإيمان في قلوبهم ومنحهم المزيد من فضله وإنعامه وإحسانه. قال ابن كثير: أي: لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه، ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن؛ ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم، ودينك القويم.

2024‏/04‏/24
35٬073

كنز من كنوز الجنة

كان النبي ﷺ معلمًا لأمته، وكان لا يراهم على حالة من الخير إلا أحبّ لهم الزيادة عليها؛ فأحب للذي رفع صوته بكلمة الإخلاص والتوحيد أن يردفها بالتبرؤ من الحول والقوة لله تعالى، وإلقاء القدرة إليه، فيكون قد جمع مع التوحيد الإيمان بالقدر.

مع تطبيق المصلي تعرف على المساجد القريبة أينما كنت بمنتهى الدقة

حمل المصلي الآن

مدار للبرمجة © 2022 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة