صلاة الكسوف وأحكامها

صلاة الكسوف تذكيرٌ ربانيٌّ بأحداث كونية عظيمة، يذكّر العباد بأن للكون ربًّا عظيمًا يُقلِّب الليلَ والنهار. ومن تلك الآيات الكونية: كسوف الشمس وخسوف القمر، حيث يطغى الظلام على النور، في مشهدٍ مهيب، يذكّر الناس بيوم القيامة حين تُكَوَّر الشمس ويُخسف القمر.

وقد بيّن النبي ﷺ أن هذا الحدث العظيم ليس له علاقة بموت أحدٍ أو حياته.

وهكذا جاء التشريع ليحوّل هذا المشهد المهيب إلى عبادةٍ وخشوعٍ ودعاء، لا إلى أوهامٍ باطلة كما كانت تفعل الجاهلية.

 

كيفية صلاة الكسوف

صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجدتان، مع كثرة الدعاء والذكر والاستغفار، كما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ.

 وصفتها كالتالي:

1 - يكبِّر تكبيرة الإحرام.

2 - يقرأ دعاء الاستفتاح.

3 - يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقول بسم الله الرحمن الرحيم.

4 - يقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهرًا. [نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ] [صحيح البخاري (1052) ومسلم (907)]

5 - يكبر ويركع ركوعًا طويلاً يكرر فيه دعاء الركوع.

6 - يرفع ويقول سمع الله لمن حمده، ويقول بعد أن يعتدل: ربنا ولك الحمد.

7 - يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون السورة الأولى (قالت عائشة رضي الله عنها: «ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة فحزرت قراءته أنه قرأ بسورة آل عمران»

[(حسن) سنن أبي داود (1187)] بحيث يتميَّز القيام الأول عن القيام الثاني.

8 - يكبر ويركع ركوعًا طويلاً دون الركوع الأول بحيث يتميز الركوع الأول عن الركوع الثاني.

9 - يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول بعد أن يعتدل: ربنا ولك الحمد.

10 - يكبر ويسجد سجودًا طويلاً بقدر الركوع.

11 - يكبر ويرفع فيجلس بين السجدتين.

12 - يكبر ويسجد سجودًا طويلاً وهو دون السجود الأول.  [صحيح البخاري (1056)]

13 - يكبر ويقوم للركعة الثانية فيصليها مثل الركعة الأولى: بقراءتين، وركوعين، وسجودين إلا أن كل قراءة وقيام وسجود أول أطول من الذي بعده. [صحيح مسلم 10 - (904)]

14 - يجلس للتشهد والصلاة على النبي ﷺ.

15 - ينصرف بالتسليمتين.

وهذه الصفة لصلاة الكسوف هي المعتمدة، وهي الصواب؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلّت عليها وعليه المحققين من العلماء.

 

مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَتْ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمَسْجِدِ. فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً. هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى. ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. [ينظر: صحيح البخاري (1044)، (1047)، (1050)، (1055) ومسلم (901) واللفظ له]

 

خطبة النبي ﷺ في الكسوف

يسن الخطبة بعد صلاة الكسوف وموعظة الناس.

لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ «خَرَجَ مَخْرَجًا، فَخُسِفَ بِالشَّمْسِ فَخَرَجْنَا إِلَى الْحُجْرَةِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْنَا نِسَاءٌ، وَأَقْبَلَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَذَلِكَ ضَحْوَةً، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ دُونَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ، فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ قِيَامَهُ وَرُكُوعَهُ دُونَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، ‌ثُمَّ ‌سَجَدَ ‌وَتَجَلَّتِ ‌الشَّمْسُ، ‌فَلَمَّا ‌انْصَرَفَ ‌قَعَدَ ‌عَلَى ‌الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: فِيمَا يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ». [(صحيح) سنن النسائي (1499)]

 

«قال ابن المنير في الحاشية: ‌مناسبة ‌التعوذ ‌عند ‌الكسوف ‌أن ‌ظلمة ‌النهار ‌بالكسوف ‌تشابه ‌ظلمة ‌القبر وإن كان نهارا، والشيء بالشيء يذكر، فيخاف من هذا كما يخاف من هذا، فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة الآخرة.» [فتح الباري لابن حجر (2/ 538)]

 

ما اشتملت عليه خطبة النبي ﷺ من مواعظ

خلاصة ما جاء في الأحاديث الصحيحة في خطبة النبي ﷺ أنه بعد أن سلَّم من صلاة الكسوف قعد على المنبر، فخطب، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد ثم قال: يا أيها الناس إنّما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك: فاذكروا الله، وكبِّروا)، وأمر بالصدقة، والعتق، والاستغفار، والدعاء وقال: فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة فصلوا حتى ينكشف ما بكم. وقال: (يا أمة محمد ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا. وأخبر ﷺ أنه رأى الجنة وأراد أن يأخذ منها عنقودًا ولو أخذه لأكلوا منه ما بقيت الدنيا، ورأى النار يحطم بعضها بعضًا، ورأى أكثر أهلها النساء، وأخبر عن فتنة القبر وعذاب القبر، ورأى امرأة تعذَّب في النار في هرة حبستها، ورأى فيها سارق الحاج صاحب المحجن، ورأى عمرو بن لحي الذي غيَّر دين إبراهيم يجر أمعاءه في النار ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله ﷺ، وقال: (إنه عرض عليّ كل شيء تولجونه) أي تدخلونه: من جنة، ونار، وقبر، ومحشر.

فهذه خطبة عظيمة وعظ فيها النبي ﷺ أصحابه موعظة بليغة.  [ينظر صلاة الكسوف د. سعيد بن وهف القحطاني (43:45)]

 

هل تفوت الخطبة بتجلّي الكسوف؟

لا تفوت الخطبة بالتجلي. لما في الصحيحين وغيرهما أن النبي ﷺ خطب بعد صلاة الكسوف. وفيهما: « وانجلت ‌الشمس ‌قبل ‌أن ‌ينصرف، ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله»

قال ابن الملقن في الإعلام: (فيه شرعية الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لقولها: فخطب فحمد الله وأثنى عليه.

 واختار العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أن صلاة الكسوف يسنّ لها خطبة واحدة، وهذا مذهب الشافعي، وهو الصحيح.

وذلك لأن النبي ﷺ ‌لما ‌انتهى ‌من ‌صلاة ‌الكسوف «‌قام ‌فحمد ‌الله ‌وأثنى ‌عليه، ثم قال: أما بعد، ثم وعظ الناس.  وهذه الصفات صفات الخطبة. [الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 188)]

وفيه ‌استحباب ‌الخطبة ‌بعد ‌صلاة ‌الكسوف.» [عمدة القاري (2/ 98)]

 

بم تدرك الركعة الأولى من صلاة الكسوف؟

تدرك الركعة من صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول، فمن أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، ومن لم يدرك إلا الركوع الثاني فلا يعتد بهذه الركعة وعليه أن يقضي كل ركعة فاتته بركوعين؛ لأن العبادات توقيفية؛ ولأن الركوع الأول هو الركن، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم.

 

هل يصلى للآيات المخيفة كالزلزلة، والريح الشديدة، والصواعق المخيفة الشديدة، وكثرة المطر، وغير ذلك من الآيات المخيفة؟

لا يصلي لأي آية إلا الكسوف، لا الزلزلة ولا غيرها؛ لأنه قد عُلِم من السنة أن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما دلّ عليه الكتاب والسنة الصحيحة.

وسئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي: الصلاة في وقت الزلازل والصواعق هل تشرع جماعة؟ وإذا كان كذلك فهل ينادى لها؟

فقال: هذه الآيات لا يشرع لها أن تصلى جماعة كما يصلى لصلاة الخسوف والكسوف لعدم ثبوت السنة عن النبي ﷺ بهذا، ومن أقوى الأدلة على أن الآيات لا يشرع فيها صلاة كصلاة الكسوف والخسوف أن النبي ﷺ وقعت في زمانه الرياح، ووقع في زمانه ما وقع من هذه الآيات، ومع ذلك لم يصل عليه الصلاة والسلام، فدل على اختصاص الأمر بالكسوف والخسوف، والسياق في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر ...) إلخ، يقتضي التخصيص بخسوف القمر وكسوف الشمس دون غيرهما من الآيات الأخرى، فيشرع أن يسأل الله عز وجل ويدعو ويتصدق ويستغفر. [شرح زاد المستقنع محمد المختار الشنقيطي]

 

فالكسوف دعوة إلى التفكر والاعتبار، وتذكرة بقرب القيامة وزوال الدنيا، وأنه في أي لحظة قد يغير الله نظام الكون. فلنغتنم هذه الأوقات بالإقبال على الله، فإن الكسوف إنذار من الله تعالى لعباده: قال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59] 

نسأل الله أن يوقظ قلوبنا، ويثبتنا على طاعته، ويجعلنا ممن يعتبرون بآياته، ويستعدون للقائه.

 

 شارك هذه الفائدة مع غيرك، وساهم في نشر العلم النافع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

_____________

 هل استفدت من هذه الفائدة؟