
زعيم الجهاد الفلسطيني ومفتي القدس ورجل فلسطين الأشهر والأهم في تاريخ الجهاد الأول ضد الصهاينة والإنجليز، كان أول ظهور للشيخ أمين الحسيني في ثورة يافا سنة 1338هـ ـ 1920م، والتي عرفت بثورة العشرين، وكان قد تولى قيادتها، وعلا ذكره بعدها وتم تعيينه مفتيًا للقدس في نفس السنة، فعمل مباشرة على تثبيت الهوية الإسلامية والعربية للقدس، فقام بإصلاح الحائط الغربي وهو حائط البراق، وعمل على تبليط الساحة حوله ليضع حدًا لأطماع اليهود فيه.
أصبح الشيخ أمين الحسيني هو الزعيم الديني والسياسي والجهادي لفلسطين، يقود التحركات على مختلف الأصعدة، وعمل الشيخ أمين الحسيني على تأسيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وصار هذا المجلس أهم مركز للحركة الوطنية، ودعا لعقد العديد من المؤتمرات الإسلامية الشاملة لرجالات العمل الإسلامي وزعماء المسلمين في العالم، وعمل الشيخ أمين الحسيني بالتوازي مع الشيخ عز الدين القسام، الحسيني للعمل السياسي والعام، والقسَّام للعمل الجهادي والمقاومة، وعندما اندلعت ثورة البراق سنة 1348هـ ـ 1929م قام الحسيني بقيادة جموع الثائرين لضرب الإنجليز واليهود.
دعا الحسيني للمؤتمر الإسلامي العام في القدس سنة 1350هـ ـ 1931م وحضره قادة المسلمين في الهند ولبنان وسوريا ومصر، واشتدت إنجلترا بعدها في قمع الفلسطينيين، مما جعل الحسيني ينتقل للعمل الجهادي علانية خاصة بعد استشهاد القسَّام، ودعا الحسيني لإضراب عام شمل جميع فلسطين واستمر ستة أشهر، ووحد الأحزاب الفلسطينية في لجنة تسمى اللجنة العربية العليا، وضاقت إنجلترا به ذرعًا فقامت بنفيه إلى العراق، ولما ذهب هناك لم يهدأ ولم يستكن بل عمل على تجميع الحركة الإسلامية هناك، وعقد مؤتمرات وأسهم بدور فعال في قيام حركة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنجليز سنة 1360هـ ـ 1941م.
بعد فشل حركة رشيد الكيلاني اضطر الشيخ الحسيني أن يهرب إلى إيران وكانت هي الأخرى بدورها واقعة تحت التأثير الإنجليزي، فاتجه إلى تركيا فواجه نفس المشكلة، فاتجه إلى إسبانيا وبها بدأ الحسيني الدور الأخطر والأشهر في حياته، إذ التقى مع الزعيم النازي «هتلر» واقترح عليه عدة أمور منها:
1ـ دعم الثورة الفلسطينية ضد الإنجليز.
2ـ تكوين جيش عربي مكون من العرب الموجودين في أوروبا وتسليحهم وتدريبهم بواسطة ألمانيا، فوافق هتلر على هذه المطالب ليس حبًا للمسلمين والعرب بل بغضًا وحربًا للإنجليز، وقد ردت أمريكا على ذلك بإعلانها الدعم الكامل لليهود في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فرد هتلر على ذلك بزيادة الدعم للحسيني والفلسطينيين وأرسل إليهم شحنة سلاح بها 30 ألف قطعة سلاح.
بعد هزيمة ألمانيا في الحرب ضاقت الأرض على الشيخ المجاهد أمين الحسيني، وتحت الضغط الإسلامي والشعبي الكبير في مصر استقر الحسيني هناك سنة 1365هـ ـ 1946م، وقامت الجامعة العربية بتعيينه رئيسًا للهيئة العربية العليا، ولكن إنجلترا صاحبة النفوذ والاحتلال الحقيقي لمصر منعت أي تحركات للحسيني انطلاقًا من مصر.
بقي الحسيني مقيمًا في مصر بعيدًا عن فلسطين بجسده ولكنه في قلبها وهي في قلبه، مشغولاً بقضاياها، يراقب الأحداث المتسارعة والكثيرة بها، وهو يتلظى ألا يكون له دور في رد العدوان الصهيوني ووقف المجازر وتقسيم البلاد وقيام الكيان الصهيوني بفلسطين، ثم حروب 48، 56، 67، ولكنه كان مأوى للمجاهدين والسياسيين يلجأون إليه طلبًا للنصح والمشورة، وعلى الرغم من تقدم سنه كان على بصيرة بكل ما يجري على أرض فلسطين، وبمرامي السياسات الصهيونية وحليفاتها الغربية هناك، وقد انتقل رحمه الله في أواخر حياته إلى بيروت فترة وجيزة ثم عاد إلى القاهرة وبها مات في 14 جمادى الآخرة 1394هـ ـ 4 يوليو 1974م فرحمه الله رحمة واسعة، وأجزل له المثوبة على جهاده ونضاله من أجل دينه وبلده.
راجع: تاريخ فلسطين المصور ص230ـ 256، جهاد شعب فلسطين ص110ـ 375، فلسطين والسياسة الدولية، من أعلام الحركة الإسلامية ص44.