
الصلاةُ عمودُ الدينِ وأعظمُ أركانِ الإسلام بعد الشهادتين، وقد شُرعت لها أوقاتٌ محددة، غير أن الله تعالى شرع لعباده الجمع بين الصلاتين في أحوالٍ مخصوصة، رفعًا للحرج، ودفعًا للمشقة، واتباعًا لسنَّة النبي ﷺ.
وهذه الفائدة تبيّن حقيقة الجمع بين الصلاتين، وأدلته، وأحكامه، وصوره، وشروطه، ليكون المسلم على بصيرة في دينه، مقتديًا بهدي نبيه ﷺ.
تعريف الجمع بين الصلاتين
هو: أداء صلاتَي الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، في وقت إحداهما، إمّا تقديمًا في وقت الأولى، أو تأخيرًا في وقت الثانية.
حكم الجمع بين الصلاتين في السفر
الجمع بين الصلاتين جائز بإجماع العلماء، لكنهم اختلفوا في أسباب إباحته وصفته.
يباح بالسفر - الذي تقصر فيه الصلاة - الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ، حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ، إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا» [(صحيح) سنن أبي داود (1208) والترمذي (553)]
وسواء أكان سائراً أم نازلاً؛ لأنها رخصة من رخص السفر فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر رخصه.
إلا أن الأفضل للنازل عدم الجمع بين الصلاتين؛ لأن النبي ﷺ لم يجمع بمنى وقد كان نازلاً.» [الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (1/ 91)]
قال الشيخ ابن عثيمين: «الأفضل للمسافر النازل أن لا يجمع، وأن جمع فلا بأس إلا أن يكون في حاجة إلى الجمع إما لشدة تعبه ليستريح، أو لمشقة طلب الماء عليه لكل وقت ونحو ذلك فإن الأفضل له الجمع واتباع الرخصة.» [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (12/ 252)]
الأصل هو أداء كل صلاة في وقتها، واللجوء إلى الجمع هو رخصة شرعية، يُعذر فيها المسلم عند وجود عذر شرعي أو دفع مشقة؛ وهي رحمة من الله وسعة في دينه.
يقول الشيخ بن باز رحمه الله تعالى: فإذا وجدت علة تسوغ الجمع؛ فلا بأس، كالمرض والمطر والسفر ونحو ذلك؛ فلا بأس بذلك، كما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- في أسفاره، ورخص للمستحاضة أن تجمع لعذرها، والمريض كذلك معذور، فلا بأس بذلك للعذر الشرعي.
الخلاف الفقهي في حكم الجمع للمسافر
القول الأول (وهو الراجح): يجوز الجمع في السفر تقديما وتأخيرا، وهو المشهور من مذهب المالكية، ومذهب الشافعية، والحنابلة، وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف، لما ورد في الأحاديث الصحيحة من فعله ﷺ ذلك في أسفاره.
القول الثاني: لا يُشرع الجمع إلا في عرفة ومزدلفة، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن مالك، فلا يجيزون الجمع لسفر ولا مرض، ولا لغيرهما من الأعذار الأخرى، ولا شك أن مذهبهم في هذا مردود لمخالفته للأدلة الثابتة عن النبي ﷺ، وقد تلقتها جماهير الأمة بالقبول.
الحكمة من الجمع بين الصلاتين في السفر
الإسلام دين رحمة وتيسير، والسفر مظنة المشقة، فشرع الله الجمع تخفيفًا عن العباد، كما شرع القصر، رحمة بعباده ورفعًا للحرج عنهم.
صفة الجمع بين الصلاتين في السفر
1 - المسافر إذا جدّ به السير فالسنة له القصر والجمع، وإذا نزل المسافر في بلد أو مكان فيجمع على حسب الحاجة كما جمع النبي ﷺ في تبوك، ولا يجمع عند عدمها كما اقتصر النبي ﷺ على القصر دون الجمع في منى.
2 - السنة للمسافر عند الجمع أن يصلي الأولى، ثم يقيم مباشرة للأخرى، ويجوز الفصل بينهما لعارض من وضوء ونحوه.
3 - يسن للمسافر الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في وقت إحداهما مرتباً، أو في الوقت الذي بينهما.
فإن كان نازلاً فعل الأرفق به.
وإن جدَّ به السير فالسنة إذا غابت الشمس قبل أن يرتحل أن يجمع بين المغرب والعشاء تقديماً، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب إلى العشاء، وجمع بينهما تأخيراً.
وإن زالت الشمس قبل أن يركب فالسنة أن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً، وإن ركب قبل أن تزول الشمس أخّر الظهر إلى العصر، وجمع بينهما تأخيراً. [ينظر موسوعة الفقه الإسلامي - التويجري (2/ 536)]
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.» [صحيح البخاري (1107)]
2 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ». [صحيح البخاري (1112) ومسلم (704)]
الأفضل في وقت الجمع للمسافر
الأفضل هو أن يفعل المسافر الأرفق به، من تقديم أو تأخير، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين رحمهم الله تعالى.
حدود الجمع بين الصلاتين المشروع
الجمع بين الصلاتين يكون في الظهر والعصر، أو في المغرب والعشاء فقط، ولا يشرع الجمع بين الفجر وأي صلاة أخرى، وأما الجمع بين العصر والمغرب، فهذا لا يجوز.
هل يجوز الجمع بين الجمعة والعصر؟
الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر لا يجوز عند جمهور العلماء، بل الواجب أن تُصلَّى الجمعة وحدها، ثم تُصلى العصر في وقتها.
أن الجمعة لا تُجمع مع العصر، ومن احتاج إلى الجمع لعذر كالسفر أو المطر، ولم يصلِّ الجمعة، فإنه يصلي الظهر ثم يجمعه مع العصر.
أدلتهم:
• النصوص الشرعية لم ترد إلا في الجمع بين الظهر والعصر، مثل حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ». [صحيح مسلم (705)]، ولم يذكر الجمعة.
• الجمعة لها شروط وأحكام خاصة، فإلحاقها بالظهر في الجمع قياس مع الفارق.
• لم يُنقل عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة أنهم جمعوا العصر مع الجمعة، مع أن دواعي الجمع (كالمطر والسفر) كانت موجودة في عصرهم.
فتاوى اللجنة الدائمة
لا يجوز جمع صلاة الجمعة بصلاة العصر لا في السفر ولا في الحضر، ولا يجوز تقديمها أو تأخيرها معها، لما يلي:
• «لا يجوز الجمع بين الجمعة والعصر؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم من بعده، ولأن الجمعة ليست من جنس العصر،» [فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية (7/ 44)]
• قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: " ليس هناك دليل فيما نعلم يدل على جواز جمع العصر مع الجمعة، ولم ينقل ذلك عن النبي ﷺ ولا عن أحد من أصحابه، فالواجب ترك ذلك، وعلى من فعل ذلك أن يعيد صلاة العصر إذا دخل وقتها. وفق الله الجميع
ما حكم الأذان في حق المسافرين؟
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «هذه المسألة محل خلاف، والصواب وجوب الأذان على المسافرين، وذلك أن النبي ﷺ قال لمالك بن الحويرث وصحبه: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) [متفق عليه] وهم وافدون على رسول الله ﷺ مسافرون إلى أهليهم، ولأن النبي ﷺ لم يدع الأذان ولا الإقامة حضراً ولا سفراً، فكان يؤذن في أسفاره ويأمر بلالاً رضي الله عنه أن يؤذن.» [فتاوى أركان الإسلام (ص282) العثيمين]
ما حكم الأذان والإقامة للمنفرد؟
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الجواب: «الأذان والإقامة للمنفرد سنة، وليسا بواجب، لأنه ليس لديه من يناديه بالأذان، ولكن نظراً لكون الأذان ذكراً لله عز وجل، وتعظيماً، ودعوة لنفسه إلى الصلاة وإلى الفلاح، وكذلك الإقامة كان سنة، ويدل على استحباب الأذان ما جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((يعجب ربك من راعي غنم على رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة، فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم للصلاة، يخاف مني قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة))» [فتاوى أركان الإسلام (ص282) العثيمين]
حكم الأذان والإقامة عند الجمع بين الصلاتين:
عند الجمع: أذان واحد للصلاتين، وإقامتان: إقامة للصلَاة الأولى ثم إقامة للثانية، سواء كان الجمع تقديمًا أو تأخيرًا.
وهو الصحيح من أقوال العلماء وهو مذهب الجمهور (الحنفية، الشافعية، الحنابلة، وبعض المالكية) «واختاره ابن المنذر، وابن حزم، وابن القيم، والشوكاني، والشنقيطي، وابن باز، وابن عثيمين» [الموسوعة الفقهية (2/ 253)]
والدليل على ذلك: ما ثبت من فعل النبي ﷺ في حجة الوداع، حيث صلَّى الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، وصلَّى المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين – أيضاً -.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصف حجة الرسول ﷺ قال: «ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» ... «حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» [صحيح مسلم (1218)]
وقال علماء اللجنة الدائمة:
«السنة أن الشخص يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، إذا وجد مسوغ ذلك؛ كالسفر والمرض والمطر في الحضر، هذا هو الذي تدل عليه السنة الصحيحة الصريحة، لفعل النبي ﷺ. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/142)]
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
«فإذا جمع الإنسانُ أذَّن للأُولى؛ وأقام لكلِّ فريضة، هذا إن لم يكن في البلد، أما إذا كان في البلد؛ فإنَّ أذان البلد يكفي؛ وحينئذ يُقيم لكلِّ فريضة.» [الشرح الممتع على زاد المستقنع (2/ 79)]
الخاتمة:
إن الجمع بين الصلاتين رخصة عظيمة شرعها الله لعباده دفعًا للمشقة، وتيسيرًا لأداء الفريضة في وقت العذر، وهو من دلائل رحمة الإسلام وسعته، واتباع سنّة النبي ﷺ فيه ضمان للعمل الصحيح، وابتعاد عن الإفراط أو التفريط.
فلنحرص على تعلّم أحكام ديننا، ولنأخذ بالرخص عند الحاجة، شاكرين لله نعمة التيسير، ومقتدين بهدي سيد المرسلين ﷺ.
شارِك الفائدةَ مع من تحب.
اللهم اجعلنا من المسارعين في الخيرات، وبارك لنا في أعمارنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.