أحكام صلاة المريض وضوابطها

صلاة المريض ليست عبئًا يثقل الجسد، بل روحًا تشفي القلب وتداوي الألم في لحظات الضعف والانكسار. فإذا كان الإنسان الصحيح يجد في الصلاة راحةً وطمأنينةً، فإن المريض أَمسُّ ما يكون حاجةً إلى هذه الصلة الوثيقة بربه.

ففي اللحظات التي يضعف فيها البدن وتخور فيها القوى، تبقى الصلاة شاهدةً على أن حقيقة الإيمان لا تنحصر في قوة الجسد، ومن تمام رحمة الله تعالى أن جعل شريعته قائمة على اليسر، فقال جل شأنه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].

 

صلاة المريض ووجوبها

اتفق العلماء على أن الصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام عقله ثابتًا، مهما كان مرضه. و صلاة المريض تكون على حسب حاله؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16] 

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ». [صحيح البخاري (1117)] ورواه النسائي وزاد: فإن لم تستطع فمستلقيا.

وهذا النص أصل عظيم في باب التيسير على المريض، إذ يرسم مراتب أداء الصلاة بحسب القدرة.

 

كيفية صلاة المريض

يلزم المريض أن يؤدي الفريضة قائماً ولو منحنياً، ولا بأس إن اعتمد على جدار أو عصا.

فإن عجز عن القيام: أو كان في قيامه مشقة ظاهرة، أو تأخر برء، أو زيادة مرض، صلى قاعداً، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.

 

ويجلس متربعاً أو يجلس كجلوس التشهد، وله أن يجلس على الهيئة التي تسهل عليه.

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ‌يُصَلِّي ‌مُتَرَبِّعًا» [(صحيح) صحيح ابن خزيمة (978) وسنن النسائي (1661)]

ولا ينقص ذلك من ثوابه شيئاً، وصلاته صحيحة لا يعيدها، قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]

وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا.» [صحيح البخاري (2996)]

فهذه بشارة عظيمة بأن المريض إذا حافظ على عبادته قدر استطاعته، فإن الله يكتب له أجر العمل كاملاً، وإن عجز عن بعضه.

«قال مالك: فإن لم يستطع المريض أن ‌يصلي ‌متربعا صلى على قدر ما يطيق من قعود أو على جنبه أو على ظهره ويستقبل به القبلة» [المدونة (1/ 171)]

 

صلاة المريض إن عجز عن القعود

فإن عجز عن القعود صلى على جنبه متوجهًا للقبلة، يقرأ ويأتي بالأذكار القولية، ويأتي بالأفعال الفعلية بالنية، الركوع بالنية والسجود بالنية، والرفع من الركوع بالنية، والرفع من السجود بالنية، مع الأذكار الشرعية.

فإن عجز صلّى مستلقيًا على ظهره ورجلاه للقبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانت، ولا إعادة عليه.

يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإن استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع، وأومأ بالسجود، وإن استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود، وأومأ بالركوع.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أشار في السجود بعينه، فيغمض قليلاً للركوع، ويغمض تغميضاً للسجود، وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح ولا أعلم له أصلاً من الكتاب، والسنة، ولا من أقوال أهل العلم.

فإن كان لا يستطيع الإيماء بالرأس، ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه، فيكبر ويقرأ، وينوي الركوع، والسجود، والقيام، والقعود بقلبه: "ولكل امرئ ما نوى".

 

صلاة المريض وحكم الجمع بين الصلوات

أجاز العلماء للمريض الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديمًا أو تأخيرًا، إذا شق عليه أن يؤدي كل صلاة في وقتها.

 وقد ثبت في الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ».. قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. [صحيح مسلم (705)]

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها، فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب، وأما الجمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له. أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها.

إذا كان المريض مسافراً يعالج في غير بلده فإنه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر، والعصر، والعشاء على ركعتين، ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواء طالت مدة سفره أم قصرت.

 

 

 

 

وذكر الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: أن المريض يُصلي على حسب طاقته، ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتًا.

 

صلاة المريض وأحكام الطهارة

الأصل الطهارة بالماء، لكن إذا عجز المريض عن استعماله بسبب مرض أو خوف ضرر، انتقل إلى التيمم، ولا يُسقط عنه فرض الصلاة.

قال تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: 43].

فإن لم يستطع التيمم بيده، جاز أن يُيممه غيره، أو يضرب له التراب ويمسح بيده على وجهه وكفيه.

- يجب على المريض أن يتطهر بالماء لرفع الحدث الأصغر أو الأكبر، لأن الطهارة شرط للصلاة فإن لم يستطع تيمم.

- ويجب عليه أن يطهر ثوبه وبدنه من النجاسات، فإن عجز صلى على حاله، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.

- ويجب عليه أن يصلي على شيء طاهر، فإن عجز صلى على ما هو عليه، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.»

 

وهكذا نعلم أنّ صلاة المريض باقية ما بقي الروح في الجسد، فهي حبل الصلة بالله في الصحة والمرض، والسرّ الأعظم لثبات القلب وطمأنينته. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفي مرضى المسلمين شفاءً لا يغادر سقمًا، وأن يجعل ما أصابهم رفعةً في درجاتهم، وتكفيرًا لسيئاتهم، وقربًا من رحمته ورضوانه.
فلنحرص على تعلّم هذه الأحكام، ولنجعل الصلاة عهدًا لا ينقطع في الصحة ولا في المرض.

 

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 انشر تؤجر وشاركنا تعليقاتك المميزة.

 

للاستزادة:

http://iswy.co/e3rqo